للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن السبكي يرى جواز الاعتماد على الحساب الفلكي، لا وجوبه، وربط الحكم الشرعي به، إذا كان القمر بعيدًا عن مغرب الشمس، بحيث يمكن رؤيته بصريًا لولا الغيم، وهو في هذا تابع لإمام سابق من أئمة الشافعية، وهو ابن سريج.

وقال في تعليقه على حديث ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) في كتابه العلم المنثور: "والبحث في الحديث في موضوعين: أحدهما قوله ((فاقدروا له)) قال بعض من يقول باعتماد الحساب: معناه احسبوا له، ويكون معناه: قدروه بالحساب والمنازل كما قال تعالى {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} قاله مطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة من المحدثين وابن سريج من الشافعية وابن مقاتل من أصحاب محمد بن الحسن وطائفة من المتأخرين قالوا: ولا يلزمنا مقال المارزي من أن الناس لو كلفوا بالحساب ضاق عليهم إذ لا يعرفه إلا القليل.. لأنه إنما يلزم ذلك لو كلف عامة الناس بالحساب ولم يقل بذلك أحد، بل الذي قلناه: إن الحديث في المعنى الذي اخترناه خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وقوله في الرواية الأخرى ((فأكملوا العدة ثلاثين)) خطاب للعامة.. فلا تنافي بين الروايتين، بل هما في حالتين مختلفتين يعمل بكل منهما في حال".

وقال الغزالي: "علم النجوم إذا أريد به: موت فلان وحياة فلان، وبطلوع نجم كذا يظهر موت فلان أو هلاك أمة أو ذهاب دولة، فليس يقينيًا ولا ظنيًا، فهذا القسم لا يقول به الشرع، فأما علم النجوم الذي يعرف به سير الكواكب والشمس والقمر وكذلك علم الهيئة فلن يكذبه الشرع، بل يهتدي به إلى معرفة السنين والشهور وأوقات الصيام والحج ومواقيت الصلاة، فإنكار هذا قصور وجهل.

ومن هذا ما ذكره الأستاذ العلامة الشيخ محمد رشيد رضا (في الجزء الأول المجلد ٢٨ من المنار، صفحة ٦٣ المؤرخ ٢٩ شعبان ١٣٤٥ هجرية) ونص المقصود:

"ما زلنا منذ بلغنا سن الرشد إلى أن أدركنا سن الشيخوخة نسمع المسلمين يتألمون من الاضطراب والاختلاف الذي يحدث في إثبات أول شهر رمضان لأجل الصيام الواجب، وإثبات أول شوال لأجل الفطر الوجب في يوم العيد، وكذا هلال ذي الحجة لأجل وقوف عرفة، وقد عرض لنا في هذا اليوم الجمعة ٣٠ قبيل ظهور الشمس أي قبل طلوعها أن سمعنا دوي المدافع تنفجر في قلعة القاهرة إعلانًا لإثبات شهر رمضان، وكان الحاسبون الفلكيون قد نشروا في جميع الجرائد تذكيرًا بما دون في جميع النتائج لهذه السنة الهجرية، من أن أول رمضان فيها ليلة السبت، لأن هلاله يولد في ليلة الجمعة بعد ثلاث ساعات ونصف دقيقة واحدة من غروب الشمس، فرؤيته مستحيلة قطعًا في ليلة الجمعة، وممكنة لكل معتدل البصر في ليلة السبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>