للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- الرأي الفقهي:

ثبت طبيًا أن أكثر طرق انتقال عدوى الإيدز انتشارًا هي المعاشرة الجنسية إذ تتسبب في ما يربو على ٩٠ % من حالات العدوى، وأنه ينقل كذلك عن طريق الحقن ونقل الدم أو عن طريق الدم من طمث أو جرح يلوث بدم المصاب، كما يحتمل أيضًا أن يحدث عن طريق حدوث خدوش أو جروح تتلوث بإفرازات المصاب بالعدوى، والتي تحتوي على المسببات، وقد يكون نقل العدوى عمدًا لفرد أو جماعات، وقد يكون خطأ أو بدون قصد، ومن الثابت طبيًا – كذلك – أن الإصابة بهذا المرض تؤدي إلى الوفاة طال الزمن أو قصر لعدم اكتشاف علاج شاف حتى الآن.

وعلى ذلك فإن نقل العدوى كوضع السم في الطعام، وهو آلة للقتل، وقد اقتص صلى الله عليه وسلم من اليهودية التي سممت الشاة، وقدمتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بقتلها لما توفي من أكل معه من الشاة، وهو بشر بن البراء بن معرور. (١) .

فالقتل بالأسباب الخفية يوجب القصاص كالقتل بالأسباب الظاهرة حتى لا يتخذها الأشرار وسيلة للوصول إلى مآربهم.

وإن نقل العدوى بالإيدز لمن أشنع صور الحرابة والإفساد في الأرض.

وبناء على ما تقدم فإن تعمد نقل العدوى بهذا المرض إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد، عمل محرم شرعًا، ويعد من الموبقات التي أمر الشرع باجتنابها في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: ٣٣] وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) . . . . قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) (٢) .

ويستوجب هذا العمل العقوبة الدنيوية فضلًا عن العقوبة الأخروية إن لم يتب.

وتتفاوت العقوبة الدنيوية بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع، فإن كان قصد المعتد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يعد نوعًا من الحرابة والإفساد في الأرض، وقد شدد الله النكير على من يفعل ذلك حيث يقول: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣] .


(١) سنن أبي داود: ٤ /١٧٥
(٢) رواه الشيخان ورقمه باللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>