ويرجع هذا في نظري إلى تمسك الفقهاء بأحد قولي الإمام أحمد بن حنبل الذي يجيز في إثبات هلال رمضان قبول شاهد واحد وهو مشهور المذهب الحنبلي المستند إلى حديث ابن عباس الذي قال:((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا لله؟ فقال: نعم، فقال: يا بلال، أذن في الناس فليصوموا غدًا)) .
بينما المشهور في المذهب الحنفي أنه لا يقبل في هلال رمضان عند الصحو إلا الاستفاضة، وقدرت بخمسين رجلًا على الأقل عند أبي يوسف، كالقسامة، وقد علل المغني اشتراط أبي حنيفة الاستفاضة بأنه لا يجوز أن ينظر الجماعة إلى مطلع الهلال، وأبصارهم واحدة، والموانع منتفية، فيراه واحد فقط، وقال ابن عابدين في تعليقه على قول الحصكفي:"جمع عظيم يقع به العلم الشرعي وهو غلبة الظن": "لأنه العلم الموجب للعمل، لا العلم بمعنى اليقين ولذلك فلا يقبل خبر واحد لأن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع وسلامة الأبصار وإن تفاوتت في الحدة ظاهرة في غلطه"(بحر – الجزء الثاني- ص ٩٣) .
فإذا امتنع أبو حنيفة من قبول خبر الواحد في عصر التابعين، وعد شهادته بانفراده برؤية الهلال غلطًا، مع علمه بالنص الذي اعتمده من أجاز قبول خبر الواحد فكيف يكون الحال في هذا الزمان الذي اشتهر بكثيرة الكاذبين المدعين لرؤية الهلال، وكتب الفقه مليئة بالحوادث التي صام فيها المسلمون أو أفطروا تبعًا لشهادات كاذبة أو غالطة.
وكم من مرة في هذه السنوات الأخيرة أعلن عن الصيام أو الإفطار بشهادة رؤية الهلال ثم لم ير الناس الهلال في الليلة الثانية وهذا يؤكد بطلان الشهادة، فلماذا نتمسك بآراء معينة أصبحت لا تحقق المصلحة المرجوة منها، مع أننا سمعنا بحوادث كثيرة توقف فيها الفقهاء وأعادوا فيها النظر دفعًا لمفسدة وأصدروا أحكامهم الجديدة معللين ذلك بفساد الزمان؟ والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أشار إلى ضياع الأمانة وفقدان الخير وتدهور الأخلاق، بقدر ابتعاد الناس عن القرون الأولى، ففي الحديث الذي رواه الصحيحان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)) .