القول الثامن: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء عند قبضه لما مضى من السنين، وهذا القول منسوب إلى علي وابن عباس والثوري.
القول التاسع: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء إذ قبضه لسنة واحدة، الاختلاف في عدد السنين، وهذا قول الحسن وعمر بن عبد العزيز.
هذه هي الأقوال التي وقفت عليها للصحابة والتابعين ثم بعد ذلك ذكرت أقوال الأئمة مبتدئًا بمذهب الحنفية والمالكية والشافعية، والحنفية لهم تفصيل لا أظن أن هناك حاجة لذكره وهو مدون في البحث وكذلك بقية الآراء. وأنتقل إلى تلخيص ما خرجت به من هذا البحث من أقوال الصحابة والتابعين وأقوال الأئمة الأربعة وما عقب به أبو عبيد القاسم بن سلام وبن حزم. الواقع أنه أكثر من كتب في هذا الموضوع ناقلًا لآراء الصحابة والتابعين هو أبو عبيد، فنقل الخمسة أقوال وأيد بعضها بالأدلة. يقول في ذلك: وأما الذي أختاره من هذه فالأخذ بالأحاديث العالية التي ذكرناها عن عمر وعثمان وجابر وابن عمر، ثم قول التابعين بعد ذلك، الحسن وإبراهيم وجابر بن زيد ومجاهد وميمون بن مهران، أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين على الأملياء المأمونين لأن هذا حينئذ بمنزلة ما بيده، أما ابن حزم فله رأي يختلف عن كل هذه الآراء فهو يرى أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرًا عنده عندما يبلغ النصاب وأتم عنده حولًا ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين، فكأنه يرى أن الزكاة على المدين لكن في حالة خاصة فيما إذا كان الدين موجودا"ً تحت يده، ويعلل هذا بقوله: إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه وهو ينفي من يعارض رأي من يقول إن الزكاة على الدائن!
الرئيس:
فإنها إذا كانت أعيانًا، يقصد.
الشيخ الصديق الضرير:
نعم أعيان، هو لم يفصل في هذا. يقول: إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه هذا لأجل لا تجب الزكاة على الدائن فهو معدوم عنده ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء وعما لا يملك وعن شيء لو سرقه قطعت يده لأنه في ملك غيره. ويصرح في موضع آخر بأن الدائن لا زكاة عليه حتى يبقى الدين عنده حولًا كاملًا، يقول: ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالًا أو مؤجلًا عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء ولا زكاة فيه على صاحبه ولو أقام عنده سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولًا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، وأيد مذهبه هذا بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: ليس في الدين زكاة. والواقع أن هذا لا يؤيد مذهبه في كل ما قاله، ثم تعرض ابن حزم لآراء القائلين بأن الدائن يزكي الدين وعقب عليها وتعرض أيضًا لأقوال الأئمة. رأي الحنفية ورأي المالكية أيضًا هم لهم تقسيمات لا تخلو من التعقيد. يقول عنها ابن حزم إن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين، ولكنه لا يعلق على ما أورده من آراء الصحابة والتابعين القائلين بأن الدائن يزكي الدين، سكت عنها، خرجت من كل هذا بالخلاصة التالية:
وهي أن زكاة الدين تجب على الدائن ولكن لا يطالب بإخراجها مع زكاة ماله الحاضر إلا إذا كان متمكنًا من قبض الدين كأن يكون الدين حالًا على مليء معترف به باذل له، لأنه يكون في هذه الحالة بمنزلة المال الذي في يده أو بمنزلة الوديعة. وما دام متمكنًا من قبضه عليه أن يخرج زكاته. أما إذا لم يكن الدائن متمكنًا من قبض دينه عليه كأن يكون الدين على معسر أو جاحد أو مماطل أو يكون الدين مؤجلًا فإن الدائن يطالب بإخراج زكاته عند قبضه أو التمكن من قبضه بحلول أجله. فإذا قبضه أو حل أجله زكاه لما مضى من السنين لأنه ماله عاد إليه فيجب عليه إخراج زكاته! وهذا الرأي له سند من آراء الصحابة والتابعين التي نقلتها. وشكرًا.
الرئيس: شكرًا فضيلة الشيخ على هذا البيان والعرض لأقوال العلماء.