للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما من ريب أننا نتفق مع القائلين بالإباحة عندما نوقن أن القائم بالذبح من الذين يستمسكون بما عندهم من علم الكتاب ولا يتجاوزون فيه الحدود التي رسمها لهم كتابهم في التذكية، وكان الحيوان المذبوح من جنس ما يباح في الإسلام، مع علمنا اليقيني أن أحكام التذكية لا تختلف فيما بيننا وبينهم، بدليل أن اليهود لا تختلف طرق التذكية عندهم عما هو عندنا، والنصارى متعبدون بإتباع شريعة التوراة كاليهود، إلا في جزئيات قليلة نسخت فيما أنزله الله على عيسى عليه السلام، وهي التي يشير إليها ما يحكيه الله سبحانه وتعالى عنه من قوله: {وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: ٥٠] ، ويعني بذلك ما كان تحريمه موقوتا عقوبة لليهود على ركوبهم متن العناد في مواجهة دعوات أنبيائهم وإصرارهم على الظلم الذي نهوا عنه، ولا تدخل في ذلك المنخنقة ولا الموقوذة.

ومن أجل التزام اليهود بالطريقة الصحيحة في التذكية إلى وقتنا هذا؛ رأينا بعض مشايخنا يوصون التلاميذ الوافدين إلى بلاد الغرب إن لم يجدوا جزارين مسلمين أن لا يشتروا اللحم إلا من الجزارين اليهود، ومن الذين كانوا يحرصون على ذلك شيخنا الإمام أبو إسحاق إبراهيم اطفيش، وقد عمل بذلك نفسه عندما دفعته الظروف إلى السفر إلى نيويورك في عام ١٣٨٠ هـ، وكتب بذلك رسالة إلى أحد أصدقائه جاء فيها: "منذ حللت بنيويورك كنت آكل السمك وخليطا من الخضر وزيت الزيتون لغاية أربعين يوما، حتى عرفت في المآدب الرسمية بأنني لا آكل إلا السمك، فكانت تلك الأوانس يبادرن إلي بالسمك والسلاطة الخضراء، أنا وسيف الإسلام اليمني دون غيرنا، حتى وجدت مطعما باكستانيا لمسلم اسمه الحاج علي بهجت، وحيث إن القاديانيين يوجدون كثيرا في تلك النواحي خشيت أن يكون منهم، فاستوثقت أنه حنفي المذهب، وأنه يطبخ بلحم الكشير، وأنت تعلم أن ذبيحة الكتابي متى كانت ذكاة شرعية ذكر اسم الله عليها حل لنا أكلها، وهذه حال اليهود المتدينين، ومع الأسف أقول: إنهم لا يزالون على عهدهم هذا أكثر من المسلمين بهذه الربوع- إلى أن قال- ولقد امتاز الإسرائيليون بأمريكا دون سواهم بالانفراد بالذبيحة، وأما النصارى فبالآلة كما عندكم في الحراش، وذلك ميتة قطعا- وهكذا إلى أن قال- على أنني لما استوثقت من الباكستاني أنه يطبخ اللحم الكشير، وهو عندهم الشرعي صرت آكل أحيانا عنده، ولم أضطر والحمد لله إلى زعم أن الضرورات تبيح المحظورات، ولا الأخذ بعموم الآية لأن دعوى العموم باطلة، والحمد لله ". (١)


(١) الشيخ إبراهيم اطفيش في جهاده الإسلامي للدكتور محمد ناصر، ص ١٩٣- ١٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>