والذي أراه أن ما يقدمه الكتابي من ذبائح لكنيسته أو لعيد من أعياده، إن قام بالذبح مسلم، فلا بأس في أكله كما قال المالكية والحنابلة وكثير من فقهاء السلف، لأن ذكر الله من المسلم عند الذبح أمر متحقق الوقوع تغليبا لجانب حسن الظن فيه, وفي هذه الحالة ينتفي القول بأن ذبيحة المسلم وغيره لا تؤكل إذا أهلت لغير الله، فإن المقصود بغير الله هو التقرب إلى هذا المعبود من حجر أو بشر، وهذا غير متصور من المسلم.
أما إذا قام الذمي بذبحه تقربا لكنيسته أو لسيدنا عيسى- عليه السلام-أو غيره، وتأكد لنا عدم ذكر الله عند الذبح، فإني أؤيد وجهة نظر القائلين بحرمة أكل ذبيحته في هذه الحالة، من غير فرق بين أن يكون قد قصد بذبحه التقرب إلى الجهة التي ذبح لها أو انتفاع تلك الجهة بالمذبوح، وذلك لما يلي:
إن الكثير من أهل الذمة يخلط في عقيدته بين التوحيد والشرك، لا سيما في العصر الحاضر، فإذا تأكد لنا أن ذبيحته هذه قد نحرها للكنيسة أو لسيدنا عيسى- عليه السلام- ترجح لدينا جانب الإهلال بالمذبوح لغير الله، وهذا حرام , وهذا لا يدخل في عموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُم}[المائدة: ٥] ؛ لأنه- والله أعلم- المراد بطعامهم ما يذبحونه في الأحوال الاعتيادية، لا ما ينحرونه بقصد التقرب لقربة من القرب، فهذا يدخل في عموم قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ}[المائدة: ٣] ، والله أعلم.