للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يشترط أن لا يذبح الحيوان في مكان يعبد فيه غير الله تعالى:

هذا نوع ورد التنبيه إليه في بعض الأحاديث النبوية، وله شبه بما تقدم. ومرادنا حديث أخرجه أبو داود عن ثابت بن الضحاك: أن رجلا قال: يا رسول الله إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا، ((قال فأوف بنذرك)) ، وأخرجه أبو داود من رواية ميمونة بنت كردم، وفيه أن أباها كردما هو السائل صاحب الواقعة، وأنه نذر أن يذبح غنما، وأخرج قريبا منه ابن أبي شيبة ومسدد.

قال ابن تيمية: هذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم وأوثانهم معصية، لما في بعض روايات الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا وفاء لنذر في معصية الله)) (١) .

إلا أننا نقول: إن في رواية الحديث عند مسدد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل: الصنم؟ الوثن؟ ، قال السائل: لا، قال: فأوف بنذرك، فدلت هذه الرواية على أن المسؤول عنه الذبح لصنم أو وثن، لا الذبح في مكان فيه، أو كان فيه صنم أو وثن، وإنما قلنا هذا ليستقيم فهم الحديث مع القواعد المعلومة من سائر الأحاديث.

ومما يؤكد صحة هذا أن بوانة مذكورة في كتب الأصنام، وأنه كان فيها في الجاهلية صنم يقال له (صنم بوانة) وورد ذكره عند ابن كثير في تاريخه (٢) من رواية ابن سعد بسنده، ولذلك نرى أن هذه الرواية أرجح، وأن المنع كان لمن أراد أن يذبح للوثن، لا لمن يذبح بمكان كان فيه صنم.

على أننا مع ذلك نرى أن الذبح في مثل ذلك المكان ينبغي أن يكون مكروها فقط، أو محرما من باب سد الذرائع فقط، وذلك حيث يخشى إعادة شرائع الكفر والوثنية وشعائرهما، والله أعلم.


(١) اقتضاء الصراط المستقيم، ص ١٨٧-١٨٩
(٢) البداية والنهاية: ٢/ ٢٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>