الثالث: رؤية جماعة مستفيضة لا يمكن تواطؤهم عادة على الكذب، كل واحد منهم يخبر عن نفسه أنه رأى الهلال ولا يشترط أن يكونوا كلهم ذكورًا أحرارًا عدولًا.
قال المرحوم الشيخ بخيت بعد أن نقل كثيرًا من فروع هذا الباب عن السادة المالكية:
ومما نقلناه لك من مذهب المالكية تعلم أن مذهبهم لا يخالف ما قرره أهل الأصل، وعليه فقهاء الحنفية من أهل الأصول والفروع من أن الشهادة في هلال رمضان وهلال شوال من قبيل الإخبار بأمر ديني محض، وأنها من قبيل رواية الأحاديث، وأنهم لم يفرقوا بين هلال الفطر وهلال الصوم، ولم يشترطوا لفظ لشهادة، وإنما اشترطوا الذكورة في العدلين عند من لهم اعتناء على قول، ولم يشترطوا الذكورة ولا الحرية في العدل عند من لهم اعتناء بأمر الهلال، وكل هذا يرشدك إلى أنهم قائلون بأن الشهادة في هلال رمضان من قبيل الخبر الديني الشبيه برواية الحديث.
مذهب الحنابلة:
جاء في المغني والشرح الكبير والإقناع وشرحه أنه يستحب ترائي الهلال احتياطًا للصوم وحذرًا من الاختلاف، فإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وجب الصوم بلا خلاف، لقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته فإن لم ير الهلال ليلة الثلاثين والسماء مصحية أكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا)) ويقبل في هلال رمضان قول عدل وحده، لقبول خبر الأعرابي به، ولأنه خبر ديني وهو أحوط ولا تهمة فيه، ولا فرق بين الغيم والصحو والمصر وخارجه، ولو كان الرائي في جمع كثير ولم يره غيره منهم، وهو خبر لا شهادة، فيصام بقول العدل: رأيت الهلال، ولو لم يقل: أشهد، أو شهدت أني رأيته، ويقبل فيه قول المرأة والعبد كسائر الأخبار، ولا يشترط لفظ الشهادة ولا يختص بحاكم، فيلزم الصوم كل من سمعه من عدل، قالوا: وإذا ثبتت الرؤية هلال رمضان بخبر واحد ثبتت تبعًا للصوم بقية الأحكام من وقع طلاق وعتق معلقين بدخوله، وحلول الآجال لديون مؤجلة به ونحو ذلك كانقضاء عدة وخيار شرط ومدة إيلاء، ولا يقبل في رؤية هلال رمضان خبر مستور ولا مميز لعدم الثقة بخبره، ولا يقبل في بقية الشهور كشوال وغيره إلا رجلان عدلان بلفظة الشهادة، لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال غالبًا وليس بمال ولا يقصد به المال فأشبه القصاص، وإنما ترك ذلك في رمضان احتياطًا للعبادة.