للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الحنابلة:

قال صاحب المغني: وإن من بنى على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب فوافق الصواب لم يصح صومه، وإن كثرت إصابتهم لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه ولا العمل به، فكان وجوده كعدمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وفي رواية: ((لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه)) .

مذهب الشيعة:

ذهب ابن طاوس من الإمامية وحكي عن جماعة منهم أن علم الحساب وسير الكواكب من علوم الأنبياء، وأن من علمت إصابته وعدم خطئه أفاد قوله غلبة الظن فيعمل به، وذكر ابن طاووس أن مذهب السيد المرتضى وجماعة من الإمامية العمل بسير النجوم في الشرعيات ولم يعتمده جمهورهم ورموا السيد المرتضى بالتشديد، وأنه هو الذي لم يعمل بخبر الآحاد الصحيح، وأنه ابتلي بشيء من الجدل وهو في ذلك مخالف لشيخه المفيد.

ومن ذلك تعلم مبلغ اختلاف أئمة الفقه الإسلامي سواء في ذلك الأئمة الأربعة وغيرهم في شأن الاعتماد على أقوال الحاسبين من علماء الفلك في تحديد أوائل الشهور، ووجهة كل منهم ومناقشتهم لوجهة نظر المخالفين.

هذا وقد عني المرحوم الشيخ بخيت بنقل كثير من أقوال المختلفين في هذا الموضوع وناقشها وانتهى إلى اختيار القول بالعمل بالحساب الصحيح، وأيده في قوة بيان ونصوع حجة وسطوع برهان، ونسوق لك عبارته بتصرف بعد أن نقدم لك ما علق به قول ابن السبكي: "فاقتضت الحكمة الإلهية والتخفيف عن العباد وربط الأحكام بما هو متيسر على الناس من الرؤية أو إكمال العدد ثلاثين" قال رحمه الله: وليس الاعتماد على الحساب لبطلانه وعدم صحة مقدماته في الواقع ونفس الأمر وتزييفه وتكذيب قائله، بل لأن الشارع ألغاه في الحكم لما ذكرنا، والإلغاء شيء والإبطال شيء آخر، فإن الشارع ألغى أمورًا في موضع من غير أن يبطلها فقد ألغى إصابة القبلة إذا صلى بلا تحر واجتهاد، واعتبر الخطأ فيها إذا صلى بتحرٍّ واجتهاد عند اشتباهها عليه، وألغى العلم القطعي الذي يحصل للإمام أو القاضي من المشاهدة في إقامة الحدود والقتل، واعتبر الظن الذي يحصل له من شهادة الشهود، فمنعه من إقامتها في الأول وأوجب عليه إقامتها في الثاني، مع أن الأول من قبيل الحسن وهو يفيد العلم القطعي، والثاني من قبيل خبر الآحاد وهو لا يفيد إلا الظن، ثم قال: وقد قدَّمنا لك ما قاله صاحب الهداية في مختارات النوازل من أن علم النجوم في نفسه حسن غير مذموم إذ هو قسمان: حسابي وأنه حق وقد نطق به الكتاب قال تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي سيرهما بحسبان والاستدلال بسير النجوم وحركة الأفلاك على الحوادث وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض الخ..

<<  <  ج: ص:  >  >>