ثم قال: وتعليق الصوم والإفطار بالرؤية لا ينافي ذلك، لأن المقصود برؤيته ظهوره، حيث يرى كما قال القشيري، وليست حقيقة الرؤية مشروطة في اللزوم كما هو مقتضى الآية المتقدمة، فإن الأعمى والمحبوس ومن في حكمهم مكلفون بالصيام مع عدم تحقق حقيقة الرؤية في حقهم، فلا اعتبار بتعصب عدة من المتأخرين على القائلين بذلك كالسبكي وأمثاله، كما لا اعتبار بقول من قال بوجوب الصوم أو جوازه عند عدم إمكان رؤيته بعد غروب الشمس لأن ذلك مخالف لما اتفقت عليه كلمة المتقدمين من أنه لا يثبت الصوم لمجرد وجوده، إذا لم تتمكن رؤيته أو تعسرت، لاتفاقهم على أن الشارع قد أناط الحكم بالرؤية بعد الغروب، وإنما الخلاف بينهم في أنه تكفي رؤيته لولا المانع بأن دل الحساب على ذلك، أو لابد من رؤيته بالفعل ولم يكن السبكي مخترعًا القول بالاعتماد على الحساب بل ذلك قول فريق من العلماء منهم ابن سريج، ومطرِّف وابن قتيبة وابن مقاتل الرازي وهو من أصحاب محمد بن الحسن، وهو قول بعض كبار التابعين وكفى بأولئك قدوة، ثم قال: وماذا يصنع الذين لا يعتمدون الحساب في البلاد التي يستمر فيها طلوع الشمس وظهوره شهرين أو أكثر إلى ستة أشهر، ويستمر اختفاؤها كذلك؟ فهل يمكن لأهل تلك البلاد أن يصوموا برؤية الهلال بالفعل بعد الغروب، أو يمكن أن يقول أحد منهم أنهم غير مكلفين بالصوم إذا وافق رمضان شهرًا من الأشهر التي تظهر فيها الشمس أو تختفي فيها، مع أن القمر يجتمع مع الشمس كل شهر مرة ويفارقها؟ فإذا فارقها فهو أول الشهر القمري وذلك لا يختلف في جميع جهات الكرة الأرضية، وإنما الاختلاف في مدة ظهور الشمس ومدة اختفائها، ففي بعض الجهات يكون ظهور الشمس شهرين أو ثلاثة إلى أن يكون في بعضها ستة اشهر، تظهر فيها الشمس وتختفي في ستة أشهر، فالأشهر القمرية متحققة في كل جهة، والسنة القمرية كذلك، وبالجملة فالدورة اليومية والشهرية السنوية بجميع أقسامها لا تختلف في جميع أنحاء الكرة الأرضية، فكما أنه في كل دورة يومية تجب الصلوات الخمس وتقدر أوقاتها بالساعات الفلكية بحسب أقرب البلاد المعتدلة إلى أولئك، مع أنه لا زوال، ولا علامة من علامات أوقات الصلاة، فجميع علامات أوقات الصلاة مفقودة في الدورة اليومية في البلاد التي يستمر فيها ظهور الشمس أو اختفاؤها أكثر من أربعة وعشرين ساعة إلى ستة اشهر، كذلك الدورة الشهرية شمسية أو قمرية.