والدورة السنوية شمسية أو قمرية موجودتان في جميع أنحاء الكرة، وقد ثبتت فرضية الصلوات على جميع سكان المعمورة بالكتاب والسنة والإجماع وأصبح ذلك معلومًا من الدين بالضرورة من غير اختصاص بأهل قطر دون قطر، بدون حصرها في أهل عصر دون عصر والآيات والأحاديث ظاهرة في تعلق الصلوات الخمس بأوقاتها وأن لكل صلاة وقتًا محددًا وعلى ذلك انعقد الإجماع، والزمان مقدار متجدد غير ثابت لا يدخل في حقيقته شيء من الألوان من الحمرة والصفرة والبيان والظلمة ولا الطلوع ولا الزوال والعشي والغروب ولا يتوقف على وجودها، وإنما هي أعلام معرفات لمضي الزمان وانقضاء المقدار المعين من الأوقات يتعرف بها حضور الأوقات التي جعلت بحكم الشرع مدارًا لأداء الصلوات ووجوبها قال تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} والمعنى والله أعلم أن الأهلة وما ماثلها من العلامات مواقيت للحج وما ماثله من العبادات، وأن هذا هو الذي يلزم المكلف السؤال عنه ومعرفته، لا ما سألوا عنه ولكن لا ينتفي شيء من ذلك بانتفائها، لأنها أعلام ومعرفات فقط، مثلها في ذلك العلامات التي توضع لبيان مقادير المسافات في الطرق، فمقادير المسافات على حالها بقيت تلك العلامات أو زالت، فالصلوات الخمس على هذا المنوال أديرت على أوقاتها ليتمكن العامة والخاصة من العلم بحضور الأوقات المعينة للصلوات ولم يجعل الشارع مدار العلم على الآلات الرصدية والعلوم الحسابية والساعات الفلكية، فإنها وإن كانت معرفة أيضًا لانقضاء الزمان وحضور الأوقات إلا أنها لا تتيسر لكل مكلف في كل موضع، ومما لا شبهة فيه أن الشارع أدار الحكم على تلك الأوقات باعتبار الغالب ولم يرد أن الصلوات تسقط إذا لم توجد تلك العلامات كما في بلاد القطبين، فتعين حينئذ أن نصير إلى معرف الآخر، لأن الشارع وإن لم يجعل مدار العلم بتلك الأوقات على علم الحساب لم يمنع من الاستدلال به على تلك الأوقات لمن يعرفها، لأنه معرف أيضًا، فعند عدم وجود تلك العلامات نقدرها بالساعات بحسب البلاد المعتدلة القريبة من البلاد التي لا توجد فيها تلك العلامات، وكذلك تكون خطابات الشارع الواردة في الصوم (التي جعلت الرؤية علامة للصيام والإفطار فيه والتي حددت وقت الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس) مبنية على الغالب، وإلا فهل يمكن لعاقل أن يقول بوجود الصوم من وقت طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس في اليوم الذي تمكث الشمس فيه ظاهرة مقدار شهرين أو ثلاثة أو ستة أشهر، عملًا بقوله {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} أو يقول إنه يأكل ويشرب إلى طلوع الفجر إذا اختلفت الشمس شهرًا أو شهرين أو أكثر ووافق ذلك شهر رمضان.