ولا لأن الشارع يمنع الاعتماد على العلامة الأخرى التي تدل على تلك الأوقات أيضًا من آلات الرصد والحساب والساعات على أن الفقهاء كثيرًا ما اعتمدوا على الحساب في تقدير السنة القمرية التي قدروا بها مدة التأجيل في العنين وسن اليأس وغير ذلك، فقالوا: إن السنة القمرية المعتبرة في ذلك ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسون يومًا وخمس يوم وسدسه، وبعضهم قال ٣٥٤ يومًا تقريبًا وأن السنة الشمسية تزيد عنه عشر أيام وكسرًا وهذا لا يمكن الوقوف عليه إلا بالحساب وسير الشمس والقمر، فاعرف ذلك فإنك لا تجده في غير هذه العجالة.
ولعلك بعد هذا البيان الواضح لا تجد في صدرك حرجًا من صحة الاعتماد على الحساب الموثوق بصحته والمبني على قواعد هندسية مبرهنة ولا سيما إذا قام به من يؤمن تواطؤهم على الكذب واتفقوا عليه، وأن ذلك الحساب يفيد علمًا لا يفيده خبر واحد يجوز أن يكون مخطئًا أو كاذبًا لحاجة في نفسه، وأن بناء الأمور الدينية على المتيقن الموثوق به خير من بنائها على ما هو دون ذلك بكثير مما يعتريه الوهم والغلط، لا سيما وأن الاعتماد على الحساب المستوفي للشروط التي تنتج صحته والوثوق به يجمع المسلمين على كلمة سواء ويوحد صفوفهم، ويؤلف بين قلوبهم ويجنبهم مغبة التنازع والاختلاف.
ومما تقدم يتبين لنا جليًا أنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذم الحساب وتنقيصه ونبذ العمل به كيف وقال الله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} وقال {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} ، وقال {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} فأنت ترى أن الله قد حثنا على تعلم الحساب والعمل به، وقد سمعت مقالة صاحب الهداية: أن علم النجوم الحسابي حق موافق لما نطق به الكتاب وقول ابن طاووس: إن علم النجوم من علوم الأنبياء، وأما ما تعلق به البعض من مثل قوله صلى الله عليه وسلم ((من أتى كاهنًا أو منجمًا فقد كفر بما أنزل على محمد)) فلا يصح الاستناد إليه؛ لأن ذلك المنهي عنه هو التخرصات والتكهنات التي يدعيها بعض محترفي علم النجوم مما يسمونه طوالع ويتكسبون به، ويوهمون به السذج وعباد الخرافات، ويزعمون أن هذا ما دلت عليه النجوم، وهو ما يسمى بعلم النجوم الاستدلالية أي يستدلون بمطالع النجوم على الحوادث المغيبة المستقبلة.