للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعا - الأذن:

اختلف الفقهاء في حكم الصوم إذا صب الصائم في أذنه ماءً أو قطر فيها دواء، فمن قال منهم بفساد الصوم أجرى قياس الأذن على الأنف بجامع أن كلا منهما منفذ، ومن ثم عدَّى الحكم الوارد في حديث لقيط بن صبرة المتقدم، ومن قال منهم بصحة الصوم طبق الأصل المعتمد لديه؛ والقاضي بأن ما أدخل في الأذن لا يفطر إلا أن يصل إلى حلق الصائم. (١)

وبناء على هذا الاختلاف: اختلفت الفتاوى الحديثة، فأفتى البعض

بفساد صوم من يصب الماء في أذنه أو يقطر فيها الدواء. (٢) ، وأفتى آخرون بصحة الصوم في هذه الحالة. (٣)

ويبدو لنا أن قياس الأذن على العين أولى من قياسها على الأنف؛ ذلك أن الأنف - كالفم - منفذ طبيعي إلى الحلق والجوف، أما الأذن فالأمر فيها مختلف، لوجود الغشاء الطبلي (طبلة الأذن) الذي يفصل الأذن الخارجية عن الأذن الوسطى (٤) ، وتقف عنده السوائل فلا تنفذ إلى ما وراءه، فإذا أزيل هذا الغشاء الطبلي أو السمعي - وأصيب الإنسان بالصمم - صارت الأذن منفذا إلى الجوف، لاتصالها بالبلعوم عن طريق قناة أستاكيوس (شكل هـ) ، وحينئذ فقط يكون قياس الأذن على الأنف صحيحا، لاشتراكهما فيما يسمى " البلعوم - أنفي ".

فمناط الفتوى - إذن - يرجع إلى سلامة الغشاء السمعي، فإن كان سليمًا محكمًا لا يسمح بمرور السوائل إلى الأذن الوسطى، فالصوم صحيح، أما إن تمزق لمرض أو حادث، ودخلت السوائل إلى البلعوم - أنفي، فالصوم يبطل. والله أعلم.


(١) ابن الهمام، فتح القدير وحواشيه: ٢/ ٣٤٢؛ ابن قدامة، المغني: ٣/ ١٠٨ - ١٠٩؛ النووي، المجموع: ٦/ ٤٧٤
(٢) هيتو، فقه الصيام، ص ٨٣
(٣) أبو سريع عبد الهادي، المرجع السابق، ص ١٤٢؛ مغربي، رفع الحرج والملام، ص ٨٦؛ فتوى الشيخ ابن عثيمين، وقد جاء فيها: " وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم، لأنها ليست منصوصًا عليها، ولا بمعنى المنصوص عليه، والعين ليست منفذا للأكل والشرب، وكذلك الأذن فهي كغيرها من مسام الجلد "؛ فضل عباس، التبيان والإتحاف، ص ١١٠: " وبعد هذا كله، نقرر مطمئنين بأن القطرة في الأذن حَريًّة ألا يفسد بها الصوم، ولا يفطر بها الصائم؛ لأن الأذن ليست منفذًا - كما يقرر ذوو الشأن ".
(٤) البرعي، تشريح ووظائف أعضاء جسم الإنسان، ص ٣٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>