للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النتيجة:

من كل ما رأيناه نستطيع أن نصل إلى النتيجة التالية:

أن المعيار في الأمر هو الضرر الذي يصيب المكلف من الصوم لا غير، لأنه المستفاد من الآية بالظهور العرفي وهو ما أكدته الروايات، وقد رأينا الإمام الصادق عليه السلام يعطي هذه القاعدة: "كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب" مستفيدًا ذلك من ظهور الآية الشريفة، كما رأينا الفقهاء يفهمون ذلك أيضًا بملاحظة ما ذكرته الآية من أن الله تعالى يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.

يبقى أن نذكر أن الضرر ينقسم إلى أقسام، فيتفاوت الحكم معها، فهناك:

أولًا: الأثر اليسير الذي يتحمل عادة بل قد لا يعتبر في نظر العرف ضررًا - كالضعف مثلًا - وحينئذ يبقى المكلف معه مشمولا لإطلاقات أدلة التكليف بالصوم، ولا يمكن تخصيصها بهذه الأدلة.

وهناك ثانيًا: الفعل الذي يشكل مجرد مشقة يصعب تحملها عادة، وهذا يبيح الإفطار بمقتضى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: ١٨٤] مع جواز الصيام كما تدل عليه الأدلة.

وأخيرًا نجد ثالثًا: الضرر العرفي، وفي هذه الحالة يأثم الإنسان مع الإتيان به، ويتوقف فساد العبادة على نتيجة البحث عن اقتضاء النهي فساد العبادة أم لا، وهو بحث أصولي لا محل له هنا.

البحث الثاني: في ضابط تشخيص المرض أو (الضرر) .

لا ريب في أن تشخيص الضرر باليقين يترك الأثر المطلوب، وكذلك التشخيص بالظن، لأنه المفهوم العرفي من الأدلة، ولكن وقع البحث في مجرد احتمال الضرر الموجب ما للخوف، وهل يبيح الإفطار أو يحرمه أم لا؟

ونقطة التشكيك تنبع من:

التشكيك في صدق الخوف من الضرر (الوارد في الروايات) مع مجرد احتماله، وهو مرفوض على الظاهر، فإن الخوف حاصل بمجرد احتمال الضرر احتمالا عرفيًّا، وعندما يصدق الخوف يمكن التمسك برواياته.

ويمكن أن يقال: إن أدلة نفي الضرر والحرج ورفع التكليف عن المريض باعتبار ضرره إنما تحمل ظاهرًا على الاحتمالات العرفية، والمفروض أنها متوفرة في البين.

ومن هنا يعلم أن الاحتمال إن لم يكن عرفيا لا قيمة له.

وقد رأينا أن الروايات أوكلت الأمر إلى المكلف نفسه وجعلته المعيار في الأمر، بتعبيرات من قبيل: "هو مؤتمن عليه مفوض إليه" أو: "ذلك إليه، هو أعلم بنفسه" فهو يتصرف بذهنه العرفي، ويشخص الموضوع بما يحقق له المجوز للإفطار.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>