وقد تحدث الفقهاء عن هذا البلغم الذي قد يكون ثخينًا فيسمى النخامة. وسواء كان هذا البلغم نازلًا من الجيوب الأنفية (كان القدماء يعتقدون أنها من الدماغ) أو صاعدًا من القصيبات الرئوية، فإن بصقه لا يؤثر على الصيام ... واختلف الفقهاء في بلعه بعد وصوله إلى الحلق؛ فمنهم من قال بأن ذلك يسبب الإفطار ويفسد الصيام ويوجب القضاء، ومنهم من نفى ذلك، ومنهم من فصل: فإن كان البلغم قد وصل إلى الفم وبلعه متعمدًا فيفطر، وإلا فهو معذور.
والريق وهو إفرازات الغدد اللعابية الموجودة على (الفكين الأعلى والأسفل) لا يسبب بلعه الإفطار إلا إذا تجمع في الفم، وأمكن الإنسان بصقه وتعمد بلعه، وهو أيضًا محل خلاف بين الفقهاء.
وفي الجمجمة تجويف يشغله الدماغ وأغشية الدماغ (السحايا) والسائل المخ - شوكي (Cereboro spinal fluid) ويتولد هذا السائل في البطنين الجانبيين (الوحشيين) من الدماغ، ثم يسيل هذا السائل إلى البطن الثالث من الدماغ أو منه إلى البطن الرابع، ثم يخرج عبر فتحة بعد البطن الرابع من الدماغ ليصل إلى أغشية الدماغ الخارجية، فيسير بين الأم الجافة Dura mater وهي الغشاء الغليظ الخارجي للدماغ، والأم الحنون pia mater وهي الغشاء الرقيق الملتصق بالدماغ. وتبدأ من هناك عملية امتصاصه، ليذهب إلى الأوردة والجيوب الوريدية الموجودة في القحفة والجمجمة، كما يسير هذا السائل في الغشاء المحيط بالنخاع الشوكي (الحبل الشوكي) spinal cord ووظيفته حماية الدماغ والنخاع الشوكي من الهزات والارتطامات والصدمات.
ويفرز الدماغ ٥٠٠ مليلتر (نصف لتر) يوميًا من هذا السائل، ويتم امتصاصه كذلك يوميًا، وفي أي لحظة من اللحظات يوجد ١٥٠ مليلتر من هذا السائل الهام جدا في الحفاظ على سلامة الدماغ والنخاع الشوكي، وهو كما أسلفنا محيط بالدماغ، حتى أن الدماغ ليطفو فيه.
ولا يصل شيء من هذا السائل إلى الأنف إلا في حالة كسر في قاع الجمجمة، وهي حالة خطيرة قد تستدعي تدخلًا جراحيًا ... وليس البلغم الموجود في الأنف أو البلعوم الأنفي من الدماغ كما كان يعتقده القدماء.
ولكن هل إذا حدث كسر في قاع الجمجمة ووصل هذا السائل إلى الأنف ومنه إلى البلعوم الأنفي والحلق؛ يفطر الإنسان إذا كان صائما؟ قضية تحتاج إلى بحث وإلى إعادة السؤال عما هو المقصود بالجوف وما هو المقصود بالصيام. وستأتي مناقشة ذلك فيما بعد.
وليس لبطون الدماغ ولا للسائل المخ - شوكي أي علاقة بالجهاز الهضمي، وبالتالي فإن كل ما ذكره الفقهاء من أن ذلك سبب للإفطار لا أساس له من الصحة، فالمأمومة ومداواتها وبطون الدماغ كلها بعيدة كل البعد عن الجوف المقصود في الصيام.