للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترجيح ابن تيمية رحمه الله:

تقترب آراء ابن تيمية فيما يسبب إفساد الصوم مع آراء ابن حزم في نقاط كثيرة، رغم اختلاف منهجيهما اختلافًا كبيرًا , ولا يرى ابن تيمية أن المعصية سبب لإفساد الصيام، وهو في ذلك مع الجمهور. ولكنه لا يرى أن الحقنة (الشرجية) ، وما يقطر في الإحليل، والكحل ومداواة المأمومة والجائفة؛ سبب لإفطار من يفعل ذلك عمدًا في نهار رمضان ... كما لا يرى وصول الدخان إلى الحلق سببًا للإفطار.

وإليك نص ما قاله في الفتاوى (١)

" وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله، ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم، فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع إلا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع إلا بالتقطير، ومنهم من لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير، ويفطر بما سوى ذلك, والأظهر أنه لا يُفطَّر بشيء من ذلك.

فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام، ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلًا؛ علم أنه لم يذكر شيئا من ذلك ... ".

" والذين قالوا أن هذه الأمور تفطر كالحقنة ومداواة المأمومة والجائفة لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس, وأقوى ما احتجوا به: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا)) . قالوا: فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله (٢) , وعلى القياس كل ما وصل جوفه بفعله من حقنة وغيرها، سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره من حشو جوفه ... ".

" وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقله الأمة، فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى، كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن, والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجسامًا، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله، ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلمَّا لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطيبه وتبخيره وادهانه، وكذلك اكتحاله ".

" وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم إما في الجهاد أو في غيره مأمومة وجائفة، فلو كان هذا يفطر لبين لهم ذلك، فلما لم ينه الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطرًا ".


(١) فتاوي ابن تيمية: ٥/ ٢٣٣ وما بعدها، طبعة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله.
(٢) في المبالغة في الاستنشاق لا يصل الماء إلى الدماغ إنما يصل إلى البلعوم الأنفي، ومنه يتسرب إلى البلعوم والمريء والمعدة, وهذا هو سبب منعه أي الوصول إلى المعدة والجهاز الهضمي لا الوصول إلى الدماغ كما قرر الفقهاء في ذلك الزمان، بناء على معلوماتهم الطبية الخاطئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>