للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوضح الإمام ابن تيمية أن ليس في الأدلة أن ما كان واصلًا إلى الدماغ أو البدن أو ما كان داخلًا من منفذ (غير الفم والحلق) أو واصلًا إلى الجوف (بسبب طعنة أو جرح) ونحو ذلك من المعاني يسبب الإفطار ويفسد الصيام، إذ لا دليل عليه من الكتاب أو السنة أو قياس صحيح , واعتبر من قال أن الحقنة (الشرجية) ، والتقطير في الإحليل، ومداواة الجائفة والمأمومة، واستخدام الكحل وقطرة العين، وشم الدخان (١) واستنشاقه، ومثله البخور والطيب وغيره، وأمثال ذلك أنها كلها مسببة للإفطار مفسدة للصيام؛ قول بدون علم ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا قياس صحيح , وذلك يتضمن القول على الله بما لا يعلم، وهذا لا يجوز.

" ومن اعتقد من العلماء أن هذا المشترك (دليل القياس لديهم) مناط الحكم فهو بمنزلة من اعتقد صحة مذهب لم يكن صحيحًا، أو دلالة لفظ على معنى لم يرده الرسول , وهذا اجتهاد يثابون عليه، ولا يلزم أن يكون قولًا بحجة شرعية يجب على المسلم اتباعها ... ".

" ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض، وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة المأمومة والجائفة، فإن الكحل لا يغذي البتة ولا يدخل أحد كحلًا إلى جوفه لا من أنفه ولا من فمه , وكذلك الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن كما لو شم شيئًا من المسهلات، أو فزع فزعًا أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة ".

" والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة (والمقصود بهذه المداواة من موضع الجرح، لا أنه يبلغ ذلك بواسطة الفم وإلا كان سببًا واضحًا للإفطار) لا يشبه ما يصل إليها من غذائه. والله سبحانه قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصوم جنة)) , وقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والصوم)) . فالصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوّي, فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري منه الشيطان إنما يتولد من الغذاء لا عن حقنة، ولا كحل، ولا ما يقطر في الذكر، ولأن ما يداوي نجه المأمومة والجائفة وهو متولد عما استنشق من الماء لأن الماء مما يتولد منه الدم، فكان المنع منه تمام الصوم ". (٢)


(١) لم يكن دخان السجائر والشيشة والأرجيلة وما شابه ذلك معروفا في زمن ابن تيمية.
(٢) يتولد الدم في الجنين في الكبد وفي نخاع العظام. وفي المولود يتولد في نخاع العظام كلها، وبعد النمو يتولد الدم في نخاع العظام المفلطحة لا الطويلة، ويكون التولد في مشاش العظم وما يعرف بالنخاع الأحمر. ويتم تولد الدم حتى في فترة الصيام؛ لأن في الجسم مخازن للحديد وغيره من المواد المطلوبة لتكوين الدم , ولا علاقة مباشرة بالصوم الشرعي وتكوين الدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>