للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية: " الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ولا يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًّا أو قياسًا عند من يقول به وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه.

وعامة ما يصححه أحمد من العقود والشروط يثبته بدليل خاص من أثر أو قياس، لكنه لا يجعل حجة الأولين مانعًا من الصحة، ولا تعارض ذلك بكونه شرطًا يخالف مقتضى العقد أو لم يرد به نص، وكان قد بلغه في العقود والشروط من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا تجده عند غيره من الأئمة، فقال بذلك وبما في معناه قياسًا عليه، وما اعتمده غيره في إبطال الشروط من نص فقد يضعفه أويضعف دلالته، وكذلك قد يضعف ما اعتمدوه من قياس.. " (١) والذي انتهى إليه الإمام ابن القيم - من أجلة محققي الحنابلة - في المسألة قوله: " الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه، وهذا القول هو الصحيح ". (٢) وقال: " فكل ما لم يبين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تحريمه من العقود والشروط فلا يجوز تحريمها، فإن الله سبحانه قد فصل لنا ما حرم علينا، فما كان من هذه الأشياء حرامًا فلابد أن يكون تحريمه مفصلًا، وكما أنه لا يجوز إباحة ما حرمه الله، فكذلك لا يجوز تحريم ما عفا عنه ولم يحرمه ". (٣)

ثم قال: " والمقصود أن للشروط عند الشارع شأنًا ليس عند كثير من الفقهاء، فإنهم يلغون شروطًا لم يلغها الشارع، ويفسدون بها العقد من غير مفسدة تقتضي فساده، وهم متناقضون فيما يقبل التعليق بالشروط من العقود وما لا يقبله، فليس لهم ضابط مطرد منعكس يقوم عليه دليل، فالصواب الضابط الشرعي الذي دل عليه النص أن كل شرط يخالف حكم الله فهو باطل، وما لم يخالف حكمه فهو لازم " (٤) " وههنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع التي بعث الله بها رسوله: إحداهما: أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه فهو باطل، كائنًا ما كان. والثانية: أن كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه، وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط، فهو لازم بالشرط. ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيء، وقد دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الصحابة، ولا تعبأ بالنقض بالمسائل المذهبية والأقوال الآرائية، فإنها لا تهدم قاعدة من قواعد الشرع ". (٥)


(١) مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٩/ ١٣٢، ١٣٣؛ القواعد النورانية الفقهية، لابن تيمية، ص ١٨٨
(٢) إعلام الموقعين: ١/ ٣٤٤
(٣) إعلام الموقعين: ١/ ٣٨٣
(٤) إعلام الموقعين: ٣/ ٤٠١
(٥) إعلام الموقعين: ٣/ ٤٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>