للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول المختار:

والذي يترجح عندي الأخذ به والتعويل عليه مما سبق بيانه من أقاويل أهل العلم هو ما اتجه إليه ابن تيمية وابن القيم من أن الأصل في الشروط العقدية الجواز والصحة إلا ما أبطله الشرع أو نهى عنه، فكل شرط لا يخالف نصًّا أو قياسًا صحيحًا فهو صحيح معتبر، وكل ما خالف نصا أو عارض قياسًا صحيحًا فهو غير سائغ شرعًا، والله أعلم.

حكم العقود المجتمعة وأثر المواعدة السابقة عليها:

(أ) حكم العقود المجتمعة في اتفاقية واحدة:

أجمع الفقهاء على حرمة اجتماع القررض مع البيع في صفقة واحدة (١) لما روى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده ومالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وسلف، قال الترمذي: حديث حسن صحيح (٢)

قال البغوي: " وذلك مثل أن يقول: أبيعك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تقرضني عشرة دراهم، فهذا فاسد، لأنه جعل العشرة ورفق القرض ثمنًا للثوب، فإذا بطل الشرط سقط بعض الثمن، فيكون ما بقي من المبيع بمقابلة الباقي مجهولًا ". (٣)

وقال القاضي ابن العربي: " وأما بيع وسلف، فإنما نهي عنه لتضادِّ الهدفين، فإن البيع مبني على المشاحة والمغابنة، والسلف مبني على المعروف والمكارمة، وكل عقدين يتضادان وصفًا لا يجوز أن يجتمعا شرعًا، فاتخذوا هذا أصلًا " (٤)

وقال ابن القيم: " وحرم الجمع بين السلف والبيع لما فيه من الذريعة إلى الربا في السلف بأخذ أكثر مما أعطى، والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة كما هو الواقع ". (٥) وقال أيضًا: " وأما السلف والبيع، فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة، ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة، فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل، ولولا هذا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك ". (٦)


(١) بداية المجتهد: ٢/ ١٦٢؛ المغني: ٦/ ٣٣٤؛ المبسوط: ١٤/ ٤٠؛ فتح القدير: ٦/ ٨٠؛ القبس شرح الموطأ: ٢/ ٨٤٣؛ الروضة الندية: ٢/ ١٠٤
(٢) الموطأ: ٢/ ٦٥٧؛ مختصر سنن أبي داود، للمنذري؛ ومعالم السنن، للخطابي: ٥/ ١٤٤؛ مرقاة المفاتيح: ٢/ ٣٢٣؛ عارضة الأحوذي: ٥/ ٢٤١؛ نيل الأوطار: ٥/ ١٧٩؛ الفتاوى الكبرى، لابن تيمية: ٤/ ٣٩
(٣) شرح السنة: ٨/ ١٤٥؛وانظر فتح العزيز: ٩/ ٣٨٣، ٣٨٤
(٤) القبس: ٢/ ٧٩٨
(٥) إغاثة اللهفان: ١/ ٣٦٣
(٦) تهذيب مختصر سنن أبي داود، لابن القيم: ٥/ ١٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>