وللشاطبي في الموافقات كلام نفيس حول هذه القضية، جاء فيه:" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والسلف؛ لأن باب البيع يقتضي المغابنة والمكايسة، وباب السلف يقتضي المكارمة والسماح والإحسان، فإذا اجتمعا داخل السلف المعنى الذي في البيع، فخرج السلف عن أصله ... ولأجل هذا منع مالك مِن جَمْع عقود بعضها إلى بعض، وإن كان في بعضها خلاف، فالجواز ينبني على الشهادة بعدم المنافاة بين الأحكام، اعتبارًا بمعنى الانفراد حالة الاجتماع، فمنع من اجتماع الصرف والبيع، والنكاح والبيع، والقراض والبيع، والمساقاة والبيع، والشركة والبيع، والجعل والبيع - والإجارة في الاجتماع مع هذه الأشياء كالبيع - ومنع من اجتماع الجزاف والمكيل، واختلف العلماء في اجتماع الإجارة والبيع.
وهذا كله لأجل اجتماع الأحكام المختلفة في العقد الواحد، فالصرف
مبني على غاية التضييق، حتى شرط فيه التماثل الحقيقي في الجنس، والتقابض الذي لا تردد فيه ولا تأخير ولا بقاء علقة، وليس البيع كذلك، والنكاح مبني على المكارمة والمسامحة وعدم المشاحة، ولذلك سمى الله الصداق نحلة، وهي العطية لا في مقابلة عوض، وأجيز فيه نكاح التفويض، بخلاف البيع، والقراض والمساقاة مبنيان على التوسعة، إذ هما مستثنيان من أصل ممنوع، وهو الإجارة المجهولة، فصارا كالرخصة، بخلاف البيع، فإنه مبني على رفع الجهالة في الثمن والمثمون والأجل وغير ذلك، فأحكامه تنافي أحكامهما، والشركة مبناها على المعروف والتعاون على إقامة المعاش للجانبين بالنسبة إلى كل واحد من الشريكين، والبيع يضاد ذلك.
والجُعل مبني على الجهالة بالعمل، وعلى أن العامل بالخيار، والبيع يأبى هذين، واعتبار الكيل في المكيل قَصْد إلى غاية الممكن في العلم بالمكيل، والجزاف مبني على المسامحة في العلم بالمبيع، للاجتزاء فيه بالتخمين الذي لا يوصل إلى علم. والإجارة عقد على منافع لم توجد، فهو على أصل الجهالة، وإنما جازت لحاجة التعاون كالشركة، والبيع ليس كذلك. وقد اختلفوا أيضًا في عقد على بت في سلعة وخيار في أخرى، والمنع بناء على تضاد البت والخيار ". (١)