للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - وفرق الحنابلة في المذهب بين نوعين من الجمع:

(أحدهما) الجمع بين عقدين مختلفي الحكم بعوضين متميزين، مثل: بعتك داري هذه بكذا على أن أبيعك داري الأخرى بكذا، أو على أن تبيعني دارك، أو على أن أؤجرك أو على أن تؤجرني كذا بكذا، أو على أن تزوجني ابنتك، أو على أن أزوجك ابنتي، ونحو ذلك، فهذا كله باطل لا يصح؛ لأنه من بيعتين في بيعة، أو صفقتين في صفقة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

(والثاني) الجمع بين عقدين لشيئين مختلفي القيمة بعوض واحد، كالصرف وبيع ما يجوز التفرق فيه قبل القبض، والبيع والنكاح، والبيع والإجارة، نحو أن يقول: بعتك هذا الدينار وهذا الثوب بعشرين درهمًا، أو: بعتك هذا الدار وأجرتك الأخرى بألف، أو باعه سيفًا محلى بالذهب بفضة، أو: زوجتك ابنتي وبعتك عبدها بألف، صح العقد فيهما، لأنهما عينان يجوز أخذ العوض عن كل واحدة منهما منفردة، فجاز أخذ العوض عنهما مجتمعين. (١)

وقد جاء في إعلام الموقعين: " لا محذور في الجمع بين عقدين، كل منهما جائز بمفرده، كما لو باعه سلعة وأجره داره شهرًا بمائة درهم ". (٢)

ثم إن الحنابلة قاسوا على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلفٍ الجمع بين البيع (ومثله الصرف والسلم والإجارة باعتبارها بيوعا) وبين أي تبرع مثل الهبة والعارية والعرية والمحاباة في المساقاة والمزارعة، فمنعوا من ذلك كله، قال ابن تيمية: " فجماع معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة، لا تبرعًا مطلقًا، فيصير جزءًا من العوض، فإذا اتفقا على أنه ليس بعوض، فقد جمعا بين أمرين متباينين ". (٣)

وعندي أن منع الجمع بين البيع وأي تبرع قياسًا على حظر الجمع نصًّا بين البيع والسلف فيه نظر؛ لأن الهبة المقارِنة للبيع إنما هي مجرد تسمية، فإذا قال شخص لآخر: بعني دارك بمائة على أن تهبني ثوبك، ففعل، فالدار والثوب مبيعان معًا بمائة. وإذا قال شخص لآخر: أبيعك داري بمائة على أن تهبني ثوبك، فالدار مبيعة بالمائة والثوب معًا، والتسمية لا أثر لها ,فليتأمل (٤)


(١) المغني، لابن قدامة: ٦/ ٣٣٢, ٣٣٣؛ وانظر الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية، ص ١٢٢، ١٥٥
(٢) إعلام الموقعين: ٣/ ٣٥٤
(٣) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية: ٤/ ٣٩؛ مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٩/ ٦٢؛ القواعد النورانية الفقهية، لابن تيمية، ص ١٤٢
(٤) انظر تهذيب الفروق والقواعد السنية: ٣/ ١٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>