للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرأي المختار:

بالنظر في آراء الفقهاء وتفصيلاتهم وأدلتهم في القضية، يترجح عندي:

(أ) حظر الجمع بين كل عقدين يترتب على الجمع بينهما توسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور، وإن كان كل واحد منهما جائزًا بمفرده، وذلك لأنه قد نشأ في الجمع بينهما معنى زائد لأجله وقع النهي الشرعي. ومن أمثلة ذلك: الجمع بين البيع والقرض، فإن من أقرض رجلًا ألف درهم، وباعه سلعة تساوي خمسمائة بألف، لم يرض بالإقراض إلا بالثمن الزائد للسلعة، والمشتري كذلك لم يرض ببذل ذلك الثمن الزائد إلا لأجل الألف التي اقترضها، فلا هذا باع بيعًا بألف، ولا هذا أقرض قرضًا محضًا، بل الحقيقة أنه أعطاه الألف والسلعة التي تساوي خمسمائة بألفين. (١)

ومن أمثلته أيضًا: أن يبيعه السلعة بمائة مؤجلة على أن يشتريها منه بثمانين حالَّة، حيث إن الجمع بين العقدين ههنا (العينة) يؤول إلى الربا، فهما في الظاهر بيعتان، وفي الحقيقة ربًا، إذ السلعة لغو لا معنى لها في هذا العمل؛ لأن المصالح التي شرع البيع من أجلها لم يوجد منها في هذه المعاقدة شيء. (٢)

وأساس ذلك كما قال الإمام الشاطبي: إن الاستقراء من الشرع عرف أن للاجتماع تأثيرًا في أحكام لا تكون في حالة الانفراد فقد نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع وسلف، وكل واحد منهما لو انفرد لجاز، ونهى الله تعالى عن الجمع بين الأختين في النكاح، مع جواز العقد على كل واحدة بانفرادها، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، وقال: ((إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)) ، فدل ذلك على أن للجمع حكمًا ليس للانفراد، فكان الاجتماع مؤثرًا، وهو دليل، وكان تأثيره في قطع الأرحام هو رفع حل الاجتماع , وذلك يقتضي أن يكون للاجتماع في بعض الأحوال تأثير ليس للانفراد، وأن يكون للانفراد حكم ليس للاجتماع، وللاجتماع حكم ليس للانفراد. (٣)


(١) انظر الموافقات، للشاطبي: ٣/ ١٩٦، مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٩/ ٦٢، القواعد النورانية الفقهية ص ١٤٢، الفتاوى الكبرى، لابن تيمية: ٤/ ٣٩
(٢) مختصر الفتاوى المصرية، لابن تيمية، ص ٣٢٧؛ تهذيب مختصر سنن أبي داود، لابن القيم: ٥/ ١٠٠، ١٠٦؛ إعلام الموقعين: ٣/ ١٦١، ١٦٢؛ الموافقات: ٤/ ١٩٩
(٣) الموافقات: ٣/ ١٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>