للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - تقييد بعض محققي الفقهاء العمل بمقتضى حديث " بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا ". بأن يقع ذلك بدون مواطأة سابقة (١) قال ابن القيم: " يوضحه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا)) ، وهذا يقتضي بيعًا ينشئه ويبتدئه بعد انقضاء البيع الأول، ومتى واطأه في أول الأمر على أن أبيعك وأبتاع منك، فقد اتفقا على العقدين معًا، فلا يكون الثاني عقدًا مستقلًا مبتدأ، بل هو من تتمة العقد الأول عندهما وفي اتفاقهما، وظاهر الحديث أنه أمر بعقدين لا يرتبط أحدهما بالآخر ولا ينبني عليه ". (٢)

٥ - نص كثير من الفقهاء على التسوية بين الشروط المشروطة في صلب العقد والشروط المتفق عليها قبل العقد، ولو لم يصرح بها في حال التعاقد، ما دام العقد قد اعتمد عليها، اعتبارا للشرط الملحوظ كالشرط الملفوظ في الحكم. (٣) وقد حكى العلامة ابن القيم عن جمهور أهل العلم أنه لا فرق بين الشرط المتقدم والمقارن، إذ مفسدة الشرط المتقدم لم تزل بتقدمه وإسلافه، ومفسدته مقارنًا كمفسدته متقدما ولا فرق. (٤)

بناء على ما تقدم، فإنه يترجح عندي القول بأن المواعدة السابقة (التفاهم) على العقود المجتمعة تعتبر ملحقة بالاتفاقية المبرمة عليها أو جزء منها، كما أنه يعد في حكم المواطأة اللفظية المواطأة العرفية (٥) وينبني على هذا الأساس أن الاتفاقية على العقود المجتمعة مضافًا إليها التفاهم المسبق وما في حكمه من المواطأة العرفية إذا ترتب على ما اجتمع فيها من عقود ووعود وشروط أمر محظور كالربا والجهالة الفاحشة والغرر، أو كانت متناقضة متنافرة في أوصافها أو أحكامها فإنها تعد محظورة شرعًا، ولو أن كل عقد أو وعد أو شرط فيها مشروع بمفرده، إذ قد دل الاستقراء من الشرع على أن للاجتماع تأثيرًا في أحكام لا تكون في حالة الانفراد، مما يجعل للانفراد حكمًا ليس للاجتماع، وللاجتماع حكمًا ليس للانفراد (٦) والله تعالى أعلم.


(١) انظر إعلام الموقعين: ٣/ ٢٤٠، ٢٤٢، ٢٤٣
(٢) إعلام الموقعين: ٣/ ٢٣٨
(٣) المدخل الفقهي العام، للأستاذ الزرقا: ١/ ٤٨٧
(٤) إعلام الموقعين: ٣/ ١٤٥، ملاحظة: وللحنفية في المسألة خلاف معروف، مفاده أن المواضعة وكذا المواعدة المتقدمة على العقد لا عبرة فيهما، ولا يلتحقان بأصل العقد، وأن الشرط المتقدم لا تأثير له على العقد، ولا يعتبر كالمقارن، (انظر جامع الفصولين: ٢/ ٢٣٧)
(٥) إعلام الموقعين: ٣/ ٢٤١، ٢٤٢
(٦) انظر الموافقات، للشاطبي: ٣/ ١٦١، ١٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>