للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - العقود المستحدثة:

يقصد بالعقود المستحدثة (أو المحدثة) تلك التي تنظم أنواعًا من العلاقات المستجدة بين الناس، والتي لا أصل لها تقاس عليه؛ لأن محلها لم يكن أمرا معهودًا في القديم، أو لأنها جاءت وليدة التطورات في التقنية والاتصالات والمعلومات التي هي من سمات هذا العصر الحديث، مثال ذلك عقد الاشتراك في المجلات والجرائد، فهو عقد يتقدم فيه دفع الثمن ويتأجل قبض المبيع، ولكنه ليسر سلما لأنه غير موصوف في الذمة ولا سلعة مثلية، إذ العقد يتعلق بمجلة بعينها، كما أنه ليس استصناعًا لأن الصفات في هذا المصنوع (المجلة) يحددها الصانع لا المستصنع، فهو الذي يتولى التحرير وإعداد المحتويات لكل عدد، فعقد الاشتراك في المجلات من العقود المستجدة التي لم يعرفها القدماء، لأنها محلها (الصحف السيارة) هو أمر محدث.

وليست العقود المستجدة وليدة العصر الحديث فحسب، بل هي

تظهر في كل عصر استجابة للتغيرات التي تحدث في حياة الناس، فتولد أنواعًا جديدة من العلاقات والمعاملات بينهم، كما تستجد في كل عصر ظروف وأوضاع للناس لم تكن معروفة عند سابقيهم، فتظهر لهذا السبب أنواع من العلاقات والعقود التي تنهض بحاجاتهم إلى تلك المعاملات المختلفة.

من ذلك ما ذكر صاحب المغني في السفينة أو الدابة يعطيها مالكها لآخر يعمل عليها بجزء من الدخل المتولد منها، وهي معاملة احتاج الناس إليها في ذلك الوقت، فإذا قيست على الإجارة، كانت النتيجة عدم الجواز؛ لأن الأجر فيها مجهول، وإذا قيست على المضاربة لم تجز أيضًا؛ لأن رأس المال فيها ليس نقودًا وهو شرط صحة المضاربة، فهي إذن عقد مستجد للناس فيه مصلحة، وليس فيه الربا ولا الغرر، ولا أكل أموال الناس بالباطل.. كما أن له ما يشبهه من العقود الجائزة وهي المزارعة والمساقاة، لذلك قال فيه ابن قدامة: " إنها عين تنمّى بالعمل عليها، فصح العقد عليها ببعض نمائها ". (١)


(١) المغني: ١١٧/٥

<<  <  ج: ص:  >  >>