للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - العقود المجتمعة:

يقصد بالعقود المجتمعة تلك الاتفاقيات التي تولد حقوقًا والتزامات مستمدة من أكثر من علاقة تعاقدية مستمدة، كأن يجتمع فيها البيع والإجارة والوكالة ... إلخ، ولكل واحد من هذه العقود معالمه الواضحة وأركانه وشروطه المكتملة، لكنها تقع جميعًا في داخل تلك الاتفاقية، وقد اتجهت إرادة العاقدين إلى جمع تلك العقود في اتفاقية واحدة لمصلحة تتحقق لكليهما، بحيث إنها لو انفصلت عن بعضها البعض أو استقلت، لم تتحقق تلك المصلحة، أو ربما لم تتحقق بالصورة التي يرغبان فيها.

مثال ذلك الاتفاقية المتعلقة بسكن المسافر في أحد الفنادق، إذ يجتمع فيها عدة عقود، منها عقد إجارة الغرفة التي يسكن فيها، وعقد بيع الطعام الذي يحصل عليه في غرفته أو في مطعم الفندق، وعقد وديعة للأموال التي يضعها في صندوق حفظ الأمانات ... إلخ، وقد جعلت تلك العقود جميعًا في عقد واحد لمصلحة يراها الطرفان، فالنزيل سيفضل أن يحل في سفره على فندق يتوفر على كافة الخدمات، فلا يحتاج إلى الخروج منه لطلب الطعام وغسل الملابس ... إلخ، وصاحب الفندق له مصلحة في جعل كل تلك الخدمات في اتفاقية واحدة، لأنه عندئذ ربما قبل الربح القليل في الطعام في سبيل أن يزيد من ربحه في تأجير الغرف ... إلخ، كما أن جميع تلك العقود في اتفاقية واحدة يقلل تكاليف التعاقد، وهو أمر مهم في حياة الناس المعاصرة.

ولا تثير العقود المجتمعة مشكلة كبيرة من الناحية التعاقدية، إذ أن تلك العقود وإن اجتمعت في اتفاقية واحدة إلا أنها تحتفظ باستقلالها العقدي فلا تمتزج مع بعضها البعض، ففي المثال السابق ليس النزيل في الفندق ملزمًا بأكل طعام ذلك الفندق، ولذلك يستطيع إذا رغب أن يقصر الاتفاقية المذكورة على السكن فحسب، فتصبح عقد إجارة عادي، لكن وجوده ساكنًا في الفندق يمكنه من طلب الطعام في الغرفة، ويكون له عندئذ ثمنه الخاص وإن كان جزءًا من الاتفاقية، والعوض في كل عقد من هذه العقود معلوم ومحسوب بطريقة واضحة مستقلة عما سواه، فثمن الطعام مستقل عن أجرة السكن أو رسوم الهاتف ... إلخ.

وربما تكون العقود المجتمعة هي تكرار لعقد واحد فيلتزم الطرفان أو أحدهما في اتفاقية بإمضاء عقد من العقود بصفة متكررة خلال فترة معينة. مثال ذلك الاتفاقية التي يوقعها تاجر مع المصرف الإسلامي، يكون له خلال مدتها أن يشتري سلعًا بالمرابحة إلى حد معين يذكر في تلك الاتفاقية (٥ ملايين أو أكثر أو أقل) ، ويلتزم المصرف خلال مدة الاتفاقية أن يقدم له التمويل متى طلب، وأن لا يزيد ربحه (الزيادة من أجل الأجل) في كل بيع عن نسبة كذا المتفق عليها، عندئذ فقد اجتمعت في تلك الاتفاقية عدة عقود للمرابحة وجد الطرفان مصلحة في جمعها، فالمصرف يستفيد منها في تقليل الإجراءات وتخفيض تكاليف دراسة الطلب ومتطلبات الموافقة عليه، والتاجر يطمئن إلى أن المصرف قد ألزم نفسه بتقديم تلك الخدمات خلال الفترة المتفق عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>