للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: هيمنة حضارة الغرب على العالم:

لا خلاف بأن حضارة الغرب قد هيمنت على عالم اليوم، وأثرت

بشكل قوي على ثقافات الشعوب وقيم المجتمعات وطرائق التعامل بين الأفراد في كل مجالات الحياة، ومن ذلك بلاد المسلمين لعظم اتصالها بالغرب وتشابك مصالحها - ولا سيما الاقتصادية - مع دوله ومجتمعاته، والحضارة الغربية حضارة مادية علمانية، وهي مع رقي أنظمتها القانونية وانضباطها إلا أنها تفتقد أمرًا أساسيًّا يعد أحد أهم أركان التشريع الإسلامي، وهي المقاصد المتعلقة بحقوق الخالق وعلاقة العبد بربه، فجاءت عقودهم وأنظمتهم القانونية منفلتة أي ضابط (أخروي) واقتصرت على الجوانب المادية والمصالح الدنيوية، فانتشرت هذه الروح في العالم أجمع.

ولقد شكل ذلك ضغطًا نفسيًّا وماديًّا على المسلمين الذين يتنافسون

مع الغرب ومن لف لفه من أمم الأرض في مضمار النشاط الاقتصادي والتجارة والمال، فتولدت لدى المسلمين الحاجة إلى أنواع جديدة من العقود. فمثلًا معلوم أن المضاربة عقد أمانة؛ لأن المضارب مؤتمن على رأس المال وعلى حسن الأداء والعمل وعلى الإفصاح عن الربح الحقيقي المتولد من النشاط التجاري، والأمانة صفة من صفات المؤمن، إذ يقول رسولنا الكريم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) ، فهي مرتبطة بعلاقة العبد بربه.

فإذا قامت العلاقات التعاقدية بين الناس على استيعاب العلاقات المادية بين الأفراد فحسب، دون العناية بالجوانب الخاصة بعلاقة العبد بربه رأينا أن المضاربة لا تصلح كصيغة شركة، ولم تعد تنهض بحاجات الناس؛ لأن العلاقات التعاقدية في مجال المال والأعمال قامت على أساس أن الإنسان لا يخون لأنه لا يستطيع أن يخون وليس لأنه يتعفف عن الخيانة، وهذا ما عليه أمر الناس اليوم، ولذلك وجدنا شعور الكثيرين بالحاجة إلى تصميم صيغ مطورة للمضاربة، وإدخال شروط جديدة، الغرض منها إبعاد عنصر الأمانة عن دائرة التأثير في العقد.. وهكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>