للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - ضوابط العقود المستجدة:

لقد ذكرنا آنفًا حاجة الناس إلى عقود جديدة، ورأينا أن الشريعة الإسلامية قادرة على النهوض بتلك الحاجة ضمن حدود المباح من قواعد المعاملات، ولذلك فللمسلمين أن يستحدثوا العقود التي يحتاجون إليها ما دامت منضبطة بالاعتبارات التالية:

١ - أن يكون العقد المستجد غرضه سد حاجة مشروعة وتحقيق مصلحة معتبرة لأطرافه.

٢ - أن يخلو العقد المستجد من الربا وشبهته، ومن الغرر الفاحش، ومن الغش والتدليس، ومن أكل أموال الناس بالباطل، وأن لا يؤدي إلى ضرر بالآخرين، أو إلى حرمان ذي حق من حقه المشروع.

٣ - أن لا يخالف هذا العقد نصًّا أو إجماعًا صريحًا في موضوعه.

٤ - والعقود المستجدة إما أن تكون:

أ - عقودًا جديدة مستحدثة بحيث لا تشبه في أركانها وغرض العاقدين منها عقدا من العقود المعروفة في الشريعة، وكانت سالمة مما ذكر أعلاه، عندئذ فإن الحكم عليها مرده إلى أصل أن ما سكت عنه الشارع وهو الإباحة.

ب - عقودًا جديدة مستحدثة لكنها شبيهة في أركانها وغرضها ومقصود عاقديها لعقد من العقود المعروفة في الفقه، ولكنها تختلف عنها في بعض الشروط، فعندئذ ينظر هل افتقد شروطًا أم زاد شروطًا جديدة.

١ - فإن كان مفتقرًا لشرط وكان شرطًا منصوصًا فالحكم هو الحرمة؛ مثال ذلك البيوع الآجلة في أسواق السلع الدولية فإنها تشبه السلم تمامًا، وإنما تختلف في افتقادها لشرط تسليم رأس المال في مجلس العقد، وهو شرط منصوص في قوله في: " من أسلم فليسلم في شيء معلوم ... "إلخ الحديث.

٢ - وإن كان الشرط أو الشروط التي افتقدها العقد المستحدث اجتهادية قال بها الفقهاء قديمًا فينظر أن كان لذلك الاجتهاد علة، فالحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا (فمن اشترط إسلام المضارب إنما قال بذلك لأن غير المسلم لا يتورع عن أكل الربا والعمل في المحرمات، أما وقد انضبطت النشاطات التجارية بمحاسبات ودفاتر ومراجعات حسابية، لم يعد لهذا التخوف وجه، فإذا افتقد العقد المستحدث هنا لشرط لم يؤثر عليه) ، أو أن يكون مرجعه إلى عرف كان في زمانهم (مثل كون الشعير والقمح والملح مكيلات بينما هي اليوم موزونات) ، أو بسبب تغير الظروف والأحوال المعيشية والاقتصادية (فمن أخرج الفلوس من أحكام الصرف وأجاز فيها السلم إنما فعل ذلك يوم كانت نقود الناس الدرهم والدينار، وليس للفلوس أهمية تذكر فلم تكن أثمانًا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>