للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وإن كان الاختلاف مرده شروط جديدة لم تعرف في الصيغة القديمة، فالشروط بعضها جائز وهو ما كان فيه مصلحة للعاقدين أو أحدهما ولا ينافي مقتضى العقد، وبعضها فاسد ومفسد للعقد وهو كل ما كان منافيًا لمقتضاه أو أدى إلى الحرام.

ب - وإما أن تكون عقودًا مستحدثة ولكنها على صفة اتفاقيات جُمعت فيها عدة عقود، فهذا مرده إلى ما تقرر في الشريعة من الجمع بين العقود، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، وروى أحمد في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفقتين في صفقة، وروى أبو داود مرفوعًا عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) . (١) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف، ولذلك فاجتماع العقود هو مظنة الحظر، فيجب أن يعرف أن كانت تجمع بين معاوضة وتبرع كالبيع الذي غرضه الربح وطريقه المساومة، والسلف الذي غرضه الإرفاق والقربة , فهي غير جائزة، فلزم أن تستقل عن بعضها البعض استقلالًا يعلم منه أن القرض غير جارٍّ نفعا مشروطًا للدائن، وإن جمعت بين عقود معاوضة كالبيع والإجارة لم يؤثر الاجتماع على صحتها (مثل الإيجار المنتهي بالتمليك الذي يتعاقد فيه الطرفان على البيع المضاف بسعر محدد، فإنه عقد مستحدث جمع بين البيع والرهن وسمي إيجارًا تجاوزًا) .

د - وإما أن تكون عقودًا مستحدثة وكذا مركبة، عندئذ أن كان التركيب فيها حيلة للتوصل إلى ما لا يجوز فالأمور بمآلاتها، وإن كان الغرض من التركيب فيه مصلحة معتبرة وسداد حاجة للمتعاملين، وقد سلم من المحظورات المذكورة أعلاه؛ فلا مناص من النظر إليه كعقد جديد ليس له أصل يقاس عليه، فيرجع في الحكم عليه إلى الأصل وهو الإباحة. ذكر ابن تيمية رحمه الله: " ... أن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًّا أو قياسًا.... " (٢)


(١) وقد اختلف الفقهاء في معنى بيعتين في بيعة، إلا أن أشهر صور هذه المعاملة هي: أن يقول الرجل: أبيعك هذا الثوب نقدًا بعشرة ونسيئة بعشرين، ولا يفارقه على إحدى البيعتين، أو يقول: بعتك هذين الثوبين بعشرة على أن البيع قد لزم في أحدهما، أو يقول: أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك هذا بكذا، فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري.
(٢) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ٢٦/ ١٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>