للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر بالاستزادة من العلم النافع:

إن اهتمام الإسلام بالعلم والعلماء قضية أساسية، وركيزة هامة، وركن ركين في المحور الإيماني للمسلم.

يفيدنا ذلك بوضوح تام، ويدلنا عليه دلالة واضحة؛ أن أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي هو أمره بالقراءة، وهي وسيلة الحصول على المعارف والعلوم.

قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) } [العلق: ١- ٥]

ثم يوجه نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أن يدعوه جل شأنه أن يزيده في العلم، فيقول جل شأنه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤]

يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم حينما ينزل عليه الوحي بأن ينصت إليه، ولا يتعجل بالقرآن قبل أن ينتهي المَلَك من تلاوة ما أنزل، ثم يأمره بأن يدعوه - جل شأنه - أن يزيده علمًا: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} أي زدني منك علمًا، قال ابن عيينه رحمه الله: "ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفاه الله عز وجل "، ولهذا جاء في الحديث: ((إن الله تَابَعَ الوحيَ على رسوله، حتى كان أكثر ما كان يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا، والحمد لله على كل حال)) (١)

ومن ثم كان طلب العلم دائمًا تكليفًا كلف الله به خلقه، وفي تقرير ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)) .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} . [الحجرات: ١٣]

والتعارف هو تعرُّف على ما عند الآخرين من علم ومعرفة، وتعرف الآخرين على ما عندنا من علم ومعرفة، وليس التعارف هو مجرد معرفة من أنت ومن أبوك ومن أي بلد، بل هو أعمق من ذلك؛ هو متابعة ما عند شعوب أهل الأرض، ما عند علمائهم وحكمائهم، ما عند مدارسهم وما في معاملهم ونتائج تجاربهم من علم ومعرفة، ومن تطور وتقدم في فروع العلوم المختلفة، فقد خلقنا الله ذكورًا وإناثًا، شعوبًا وقبائل، من أجل هذا التعارف وهذا التلاقي، وهذا الانتفاع والاقتباس، والتقدم والتطور {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} . [هود: ١١٨]


(١) رواه ابن ماجه، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة: (.. الحديث..) ، وأخرجه الترمذي عن أبي كريب، عن عبد الله بن نمير به، وقال: غريب من هذا الوجه، ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس، عن أبي عاصم، عن موسى بن عبيدة به، وزاد في آخره (وأعوذ بالله من حال أهل النار) ابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>