للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضار التي تترتب على إباحة الاستنساخ التقليدي:

إن ما ذكرناه آنفًا من المنافع التي تترتب على المنهج الطبيعي والشرعي للزواج؛ تبرز لنا بشكل قاطع أن ترك كل منفعة منها يؤدي إلى إحداث ضرر خاص، وعام. ومع ذلك فإننا نوضح هنا المخاطر الأخرى التي تترتب على إباحة هذا النوع من استنساخ، وهي:

أ- اختلال أو انعدام صفة الأمومة أو الأبوة التي ترتبط بها الأحكام الشرعية، وذلك لأن هذه الصفة هي حقيقة شرعية، أو معنى شرعي، لا يتصور إلا بوجود أركانه وتوافر شرائطه.

أما أركانه فهي:

١- وجود حيوان منوي صادر من الزوج.

٢ - بييضة صادرة من الزوجة.

٣ - التقاؤهما (الحيوان- البييضة) في رحم الزوجة، وتعلق اللقيحة به، وتدرجها في النمو من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن تولد خلقًا سويًّا.

ومن ثم مثل الفقهاء لهذه العلاقة بعلاقة التعاقد (إيجاب، وقبول) ، ومحل للتعاقد؛ فأي اختلال في أحد هذه الأركان يجعل العقد باطلًا، ولا ينتج آثاره، ومثل ذلك نقوله إذا لم تتوافر أركان هذه النسبة (الأبوة والأمومة) .

فإذا عرضنا هذه الحقيقة، وهي صفة الأمومة والأبوة على حالتنا هذه - وهي الاستنساخ التقليدي - نجد الأمر يختلف، والأركان لا تتوافر، ومن ثم لا نستطيع أن نطلق هذه الحقيقة على الكائن أو الإنسان الذي نتج عنها، وذلك لأن أركان هذه العلاقة الجديدة - في الاستنساخ التقليدي- هي:

١- خلية جسدية، مستوفية لكل مقومات النمو، إذ هي مكونة من ٤٦ كروموزومًا، فصفاتها الوراثية كاملة بما تحمله من محاسن وعيوب ولا تحتاج إلا إلى وسط تعيش وتنمو فيه، لتخرج لنا نسخة من صاحبها.

٢ - بييضة ناضجة تنزع نواتها , أو بعبارة أخرى تفرغ من جوهرها، وهي النواة، ولا يبقى إلا هيكلها بما فيه من سيتوبلازم، كالجسم الذي نزع قلبه , وتوضع الخلية الجسدية فيها، لتنتفع بالسائل المحيط بالنواة - السيتوبلازم - وتنمو فيه، هي بخواصها وصفاتها الوراثية فقط، وليس للبييضة أي أثر في تغيير هذه الصفات أو تعديلها؛ ومن ثم كان الناتج نسخة من صاحب الخلية الجسدية فقط بكل ما فيه من محاسن أو مساوئ، من ضعف أو قوة، من طول أو قصر، من مرض أو صحة، من لون أو شكل - بل قد يكون - ومن عمر؛ وبانتشار هذا المسلك ينهار التنظيم الحكيم من وراء التفاوت بين الخلق، وبذلك ينهار التعاون والتواصل والتخادم، ويتوقف التطور.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأمومة بالمعنى الشرعي الذي ذكرناه قد فقدت تمامًا، وأيضًا فإن الأبوة بالمعنى الشرعي الذي ذكرناه قد فقدت، إذ حقيقتها وأركانها فيها قد اختلت، وأصبح ما معنا هو خلية أخذت من جسم حي، بغية إيجاد صورة منه بالطريق الذي ذكرناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>