للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: وأيضًا فإنه يمكن أن يموت الأب، الذي لقح حيوانه المنوي بييضة زوجه، وتم استنساخ هذه الخلية، يمكن بعد موته أن تطلب الزوجة التي مات عنها زوجها أن تضع هذه النسخة - التوأم- في رحمها، لتنجب منه طفلًا أو أطفالًا آخرين، هم في الظاهر أشقاء لأبنائها منه، مع أن الشرع والعقل يقضي بأن من ينتمي إلى الميت، والمستحق لحقوقه من ميراث وغيره ينحصر في الموجودين فعلًا وقت حادثة الموت، أما الجنين فلابد من أن يكون عالقًا في رحم أمه حتى يأخذ هذه الحقوق، ومن ثم وضع الشرع له مدة من الزمن، إذا ولد فيها كان ابنًا له، أو أخًا - حسب حالة القرابة - فإذا تجاوز هذه المدة، أو كانت المرأة غير حامل إطلاقًا عند الموت، فإن الصلة قد انقطعت بينهما، ولا يحل لها أن تستدخل في رحمها هذه النسخة؛ التوأم.

٣ - إن هذه البحوث إن استطردت بغير معوقات، فمن المؤكد أن تلك الأجنة النسخ ستستخدم كوسيلة تأمين على الحياة أو على الصحة، فإذا حملت الأم، واختزنت منه نسخة تحفظ بالتبريد، فإن هذه النسخة قد تدعو الحاجة إليها إن مات الطفل، وأراد والداه أن يعوضاه بطفل مماثل له تمامًا.

أو قد يحتاج الطفل في المستقبل إلى زرع عضو أو نسيج، وتعوق ذلك مشكلة المناعة إن عز العثور على الزرعة الموائمة، فتزرع النسخة التوأم الاحتياطية، وتنمو ليؤخذ منها العضو أو النسيج المطلوب، ونظرًا للتطابق بينهما، فمن المؤكد أن الزرعة سيقبلها الجسم المنقولة إليه دون احتمال رفضها مناعيًّا.

ويقول الأستاذ الدكتور حسان حتحوت: " وهل من الجائز أن تنشأ حياة ثم تهدر من أجل إنقاذ حياة أخرى؟ " (١)

أقول: إن حياة الإنسان مصونة ومعصومة لا تمس إلا بحق - ولو كان جنينًا ولو في مراحله الأولى - قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: ٣٣] ، والجنين نفس، لها حياتها ولها حقوقها شرعًا؛ وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم ... حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ... )) (٢)

وليس من الحق شرعًا أن نأخذ من جنينن عضوًا، أو نسيجًا، أو غيرهما؛ لينتفع به شخص آخر، ولو كان المنتفع أبًا له، أو أمًا، أو ابنًا، أو بنتًا، أو أخًا، أو أختًا ... أو غير ذلك من القرابات، قربت أم بعدت، لأن عصمة النفس الإنسانية معناها أن هذه النفس يمنع الاعتداء عليها، ويرتب الشرع على كل اعتداء عليها عقوبة أو ضمانًا؛ إذ هي بنيان الرب، وملعون من هدم بنيانه. (٣)

٤ - وقال البعض: إن قدرة الجنس البشري على البقاء في حياته الأرضية اعتمد بدرجة كبيرة على التنوع الجيني، وفتح باب الاستنساخ خطوة في عكس الاتجاه؛ إذ سيكون الاتجاه إلى إنجاب الذراري المتشابهة جينيًّا، وذات الصفات الوراثية المتميزة مع الاستغناء - عن طريق الإجهاض - عن الأجنة التي لا تتمتع بهذه الصفات، مما سيزيد في ترخيص الحياة البشرية، خاصة في بلاد مثل أمريكا، إذ تتم بها كل عام مليون ونصف المليون من عمليات الإجهاض؛ لأسباب تافهة، أو لغير سبب على الإطلاق، وبذلك تدخل البشرية حقبة جديدة لا يكون الطفل فيها مرغوبًا من والديه بدافع غريزة الوالدية، لأنه ضناهما وفلذتهما، لكن بشروط ومقاييس وصفات وراثية، إن توفرت فبها ونعمت، وإن لم تتوفر فلهما عنه مندوحة. (٤)


(١) يراجع بحث أ. د. حسان حتحوت.
(٢) الحديث رواه مسلم، رقم ٧٠٧ (المختصر) .
(٣) راجع: لنا بحث (حق الجنين في الحياة) ؛ وبحث (حكم نقل أعضاء الإنسان) .
(٤) بحث د. حسان حتحوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>