للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: فإنه إذا قطع الأطباء بسلامة كل خلية من هذه الخلايا بعد فصلها، وتغطيتها؟ أنها لم ولن يعتريها تخريب، أو عطب، أو أي أثر ضار عليها من قريب أو من بعيد، فإنها قد تتشابه من وجه - وهو بداية التلقيح، أو مرحلة الجنين الأولى - مع (طفل الأنابيب) الذي أخذ حظه من الدراسة الفقهية، وسلم فقهاء الشريعة في المجامع الفقهية بجوازه إذا كان بين زوجين، وعلى يد طبيب مسلم حاذق تتوافر فيه صفة العدالة، وتحت مظلة من رعاية وإشراف دولة مسلمة، صيانة وحماية للنفس الإنسانية، وحفظًا للأنساب، ومنعًا من الاتجار بها، وقد كان للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية دور بارز في تناول هذه القضية في وقتها، وعلى ضوء ما رأته صدر تنظيم قانوني لهذه العملية في دولة الكويت , على حد علمي.

ولكنها تختلف عنه بعد ذلك اختلافًا جوهريًّا، فإن الأمر هنا في الاستتئام يختلف عن طفل الأنابيب، إذ كل طفل من أطفال الأنابيب يتكون من بييضة ملقحة بحيوان منوي، فلكل طفل ذاتيته، وصفاته وخواصه، وحياته الطبيعية، وتدرجه في الأطوار، دون تدخل أو مساس بمسيرته الذاتية.

أما في حالة (الاستتئام) ففي الحقيقة هو جنين واحد مكون من تلقيح بييضة بحيوان منوي، وعندما يأخذ في التنامي والتكاثر تتدخل الأيدي فتفصل كل خلية من خلاياه عن الأخرى، ثم الخلية المنفصلة يجري عليها ما جرى على الأولى، وهكذا حتى يصبح عندنا من جنين واحد عشرات الأجنة، وجميعها في واقع الأمر ترجع إلى ذات واحدة وصفات وراثية واحدة وخواص واحدة، أي هي إذا صح التمثيل كشخص واحد وقف أمام عدة مرايا، فانعكست صورته في كل مرآة لتردها إلى الأخرى حتى يرى نفسه عشرات المرات.

ومن هنا يختلف طفل (الاستتئام) عن طفل (الأنابيب) ويقترب من طفل الاستنساخ التقليدي؛ إذ الأخير كانت خليته جسدية بها (٤٦) كروموزومًا، والبييضة منزوعة النواة هي الحاضنة فقط، وكلما كررنا الخلية الجسدية في بييضة منزوعة النواة نتج عنها نفس الشخص بجميع صفاته، ثم إنها أيضًا في طفل (الاستتئام) وقد اتحدت الذات والشكل والصورة، يلزم أن تتحد البصمات أيضًا، ويصبح لدينا تحت ظل (الاستتئام) أناس متعددون جسمًا، وقد يختلفون عمرًا، ولكنهم متحدون في أشكالهم وصفاتهم.

ويترتب على ذلك اضطراب في معرفة أصحاب الحقوق، ومن نحملهم الواجبات، ومن يعاقبون، إذا حدث التناكر والتهرب من الاعتراف بالحقيقة، أو ادعاء ذلك، كما أنه إذا ظهر عيب في واحد منهم فإنه سيتكرر في كل واحد منهم، ولا يملك أحدهم إعدام الآخرين، لأن للجنين حرمته. (١) وقد سبق أن قررت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية "أن الخلايا الجنينية هي: الخلايا الجنينية الباكرة لإنسان الغد، والاعتداء عليها اعتداء على الإنسان، وهي حياة محترمة في كل أطوارها تتدرج عقوبتها بسبب أطوارها ". (٢)

أما من حيث انتماء أطفال الاستتئام إلى الأب والأم - أي الزوج والزوجة - فلا ريب في اتصال نسبهم بالزوج - الأب - صاحب الحيوان المنوي، وبالزوجة - الأم - صاحبة البييضة الملقحة بهذا الحيوان، والحاضنة للخلية الأصل، طالما تم غرس هذه الأجنة في رحم الزوجة تحت ظل الزوجية الصحيحة والقائمة التي لم تنفصل عراها بطلاق أو غيره، أو موت الزوج.


(١) راجع: لنا بحث (حق الجنين في الحياة) نشر في مجلة كلية الحقوق بجامعة الكويت، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية؛ بحث د. أحمد رجائي الجندي.
(٢) وقد بينت في كتابي (حق الجنين في الحياة) العقوبات التي يقررها الفقه الإسلامي على الاعتداء على الجنين في كل طور من أطواره.

<<  <  ج: ص:  >  >>