للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال البغوي رحمه الله تعالى:

" أما إذا باع الدين من غير من عليه، مثل أن كان له على زيد عشرة دراهم، فاشترى من عمرو ثوبًا بتلك العشرة، أو قال لعمرو: بعتك العشرة التي في ذمة زيد لي بثوبك هذا، فاشتراه عمرو، فالمذهب أنه لا يجوز، لأنه غير قادر على تسليمه. وفيه قول آخر: أنه يجوز على حسب ما يجوز ممن عليه فعلى هذا يشترط أن يقبض مشتري الدين الدين ممن عليه، وبائعه يقبض العوض في المجلس حتى لو تفرقا قبل قبض أحدهما بطل " (١) .

وبمثله جاء في شرح المهذب، ولفظه:

" فأما بيعه لغيره، كمن له على رجل مائة فاشترى من آخر عبدًا بتلك المائة ففي صحته قولان مشهوران، أصحهما: لا يصح، لعدم القدرة على التسليم، والثاني: يصح بشرط أن يقبض مشتري الدين الدين ممن هو عليه وأن يقبض بائع الدين العوض في المجلس. فإن تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد (٢) .

وحاصل هذه النصوص أن بيع الدين من غير المدين لا يجوز عند الشافعية إلا إذا قبض المشتري الدين من المدين في مجلس العقد، وهذا الشرط في الحقيقة يؤول إلى عدم جواز بيع الدين، لأن الدين متى قبض في المجلس لم يبق دينًا. ولعل هذا هو السبب في أن النووي، رحمه الله، لم يذكر في منهاج الطالبين إلا قول عدم الجواز، فقال:

" وبيع الدين لغير من عليه باطل في الأظهر بأن اشترى عبد زيد بمائة له على عمرو " (٣) .

ولكن كثيرًا من علماء الشافعية لم يذكروا هذا الشرط، حتى أن الشيرازي، رحمه الله، لم يذكره في متن المهذب حيث قال:

" وهل يجوز من غيره؟ فيه وجهان: أحدهما يجوز، لأن ما جاز بيعه ممن عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة. والثاني: لا يجوز لأنه لا يقدر على تسليمه إليه، لأنه ربما منعه أو جحده، وذلك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز، والأول أظهر، لأن الظاهر أنه يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود " (٤) .


(١) التهذيب للبغوي: ٣ / ٤١٧.
(٢) المجموع شرح المهذب: ٩ / ٣٠٠.
(٣) منهاج النووي مع مغني المحتاج: ٢ / ٧١.
(٤) المهذب مع المجموع: ٩ / ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>