للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قسم التهانوي الدين إلى: دين صحيح وهو الدين الثابت الذي لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء كدين القرض ونحوه. وإلى دين غير صحيح وهو ما يسقط بغيرهما بسبب آخر مطلقًا مثل دين الكتابة فإنه يسقط بتعجيز العبد المكاتب نفسه (١) .

ثانيًا – خطورة الدين وآثاره السلبية:

للديون آثار سلبية لا تقف عند الجانب الاقتصادي فقط، بل يتعداه إلى الجوانب السياسية والاجتماعية، وإلى نطاق العقيدة، والأخلاق، والحرية الشخصية.

فقد أشار رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حيث كان يستعيذ من الدين مع استعاذته من الكفر والإثم، والبخل، والهم والحزن والعجز والكسل وغلبة الرجال.

فقد روى أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذ بالله من الكفر والدين)) (٢) ، فلا شك أن في جمعهما معًا في استعاذة واحدة إشارة إلى وجود نوع من الترابط والتلازم – وإن كان تلازمًا عاديًّا – بينهما فيما بين عامة الناس الذين لم يتزودوا بزاد التقوى؛ إذ الديون في الغالب دليل على الفقر، وهو إن وجد في الإنسان قد يؤدي به إلى الزلات إن لم يكن قد ربي على الإيمان والقناعة والرضا.

وقد روى البخاري وغيره بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: ((اللهم إني أعوذ بك من اللهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال)) (٣) ، فقد استعاذ من ثمانية أشياء بينهما ترابط وثيق، فالهم والحزن يؤديان إلى العجز والكسل.

وهذا ما أثبته الطب الحديث، فقد أثبت أن نسبة كبيرة من أسباب الأمراض الخطيرة ترجع إلى القلق النفسي والهموم، والعكس أيضًا صحيح، حيث إن العجز والكسل يؤديان إلى الأحزان، فالعلم خير وسيلة لطرد الهموم، وأن البطالة مكان خصب للمشاكل والغموم، ثم إن الجبن والبخل يترتب عليهما الهم والحزن، فالجبان خائف مترقب لا يهدأ باله ولا تسكن نفسه، لأنه يخاف من نفسه وماله، ويعيش في الخوف الذي يصبح له كابوسًا يطارده، فيحدث له الهم والحزن، وكذلك الأمر في البخيل فهو ممسك ماله لخوفه عليه من الضياع والهلاك، فإذا أنفق شيئًا أو أجبر عليه فقد لزمته الهموم ويتراكم عليه الخوف، فقد قيل: فالناس لخوف الفقر فقراء.

ثم أشار صلى الله عليه وسلم إلى الترابط بين ضلع الدين – أي شدته – وبين غلبة الرجال، وحقًا إنهما متلازمان في الغالب، ويترتب الثاني على الأول، كما أن الدين يأتي في الغالب نتيجة للعجز والكسل والهم والحزن.

ثم إن نفس المؤمن المدين معلقة بدينه في يوم القيامة حتى يقضى عنه، بل إن ((القتال في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين)) (٤) .


(١) كشاف اصطلاحات الفنون: ٢ / ٣٠٥.
(٢) مسند الإمام أحمد: ٣ / ٢٧.
(٣) صحيح البخاري – مع الفتح – ط. دار الطباعة بالقاهرة، كتاب الدعوات: ٧ / ١٥٥؛ مسند الإمام أحمد: ٢ / ١٧٣، ٣ / ١٢٢.
(٤) رواه مسلم في صحيحه مرفوعًا، كتاب الإمارة: ٣ / ١٥٠٢؛ وأحمد في مسنده ٢ / ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>