للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد باستقرار الدين أن سببه قد تحقق فعلاً، وأمن من الفسخ كتسليم المبيع، أو يحقق الوطء في المهر، أو نحو ذلك كغرامة المتلف، وبدل العرض، وقيمة المغصوب، وعوض الخلع، وثمن المبيع، والأجرة بعد استيفاء المنفعة، والمهر بعد الدخول (١) .

ويسمى هذا النوع أيضًا بالاستبدال، والاعتياض، وهو جائز في جميع الديون المستقرة بالاتفاق، والثانية ما عدا دين السلم عند الجمهور – كما سبق – (٢) .

ولكن يشترط في بيع الدين بالدين لمن هو عليه ملاحظة قواعد الصرف بحيث لو باع دينه الذي كان نقودًا بالنقود يشترط فيه التقابض في المجلس، ويدل على ذلك حديث ابن عمر في هذا الباب – ولكن إذا لم يكن من باب الصرف فيجوز البيع بتأجيل وغيره كبيع الدين بالعين، أو بالعكس (٣) .

وهذا الحل يفيد كثيرًا في تصفية الديون بين الناس، وفي المصارفة في الذمة دون الحاجة إلى القبض الفعلي، وذلك بأن يكون لرجل دنانير في ذمة رجل آخر، وللآخر عليه ريالان فاصطرفا بما في ذمتهما جاز عند الأكثر منهم المالكية، والحنفية؛ أما اقتضاء أحد النقدين من الآخر ويكون صرفًا بعين، وذمة فهو جائز في قول أكثر أهل العلم، لحديث ابن عمر (٤) . وذكر ابن القيم أن مسألة التقاص فيها غرض صحيح ومنفعة مطلوبة، لأن ذمتهما تبرأ من أسرها، وهي مطلوبة للشرع والعاقدين (٥) .

جعل الدين الحال رأس مال في السلم:

وهذه المسألة نقل فيها الإجماع على عدم جوازه بناء على أنه داخل في بيع الكالئ بالكالئ (٦) .

غير أن شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم بينا أنه لا إجماع فيها، بل هي جائزة، قال ابن القيم: "وأما بيع الواجب بالساقط فكما لو أسلم عليه في كر حنطة بعشرة دراهم في ذمته فقد وجب له عليه دين، وسقط له عنه دين غيره، وقد حكى الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله شيخنا واختار جوازه، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله، وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بغير فائدة، وأما ما عداه من الصور الثلاث فلكل منها غرض صحيح ومنفعة مطلوبة " (٧) .


(١) المنثور في القواعد للزركشي، ط. وزارة الأوقاف الكويتية: ٢ / ١٥٩ – ١٦٠؛ والأشباه والنظائر للسيوطي، ص ٣٥١؛ ود. نزيه حماد: أصول المداينات، ص ٤٧.
(٢) يراجع: حاشية ابن عابدين: ٤ / ١٦٦؛ والمدونة: ٤ / ٨٠؛ والمجموع للنووي: ٩ / ٢٧٤؛ والمغني لابن قدامة: ٤ / ٥٣؛ وقال النووي في المجموع: ٩ / ٢٧٤: "فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف، كما لو كان له في يد غيره مال بغصب، أو عارية فإنه يجوز بيعه له ".
(٣) فتح العزيز: ٨ / ٤٣٦؛ والمجموع: ٩ / ٢٧٤.
(٤) يراجع: بدائع الصنائع: ٧ / ٣١٥٥؛ ومجموع الفتاوى: ٢٩ / ٤٧٢؛ والمغني لابن قدامة: ٤ / ٥٣٠ – ٥٤٠؛ ود. نزيه حماد، ص ١٤٦.
(٥) إعلام الموقعين، ط. شقرون: ٢ / ٨ – ٩.
(٦) جاء في المغني: ٤ / ٣٢٩ – ٣٣٠: " وإذا كان له في ذمة رجل دينارًا فجعله سلمًا في طعام إلى أجل لم يصح، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم؛ لأنه بيع دين بدين.
(٧) إعلام الموقعين: ٢ / ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>