للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضرب الثالث – ما ليس ثمنًا ولا مثمنًا: كدين القرض، والإتلاف فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف كما لو كان له في يد غيره مال بغصب، أو عارية فإنه يجوز بيعه له (١) .

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة آراء:

الرأي الأول: جواز تمليك الدين بعوض وبغير عوض.

وهذا وجه للشافعية، ورواية للحنابلة (٢) .

الرأي الثاني: عدم جواز تمليك الدين لغير من هو عليه بعوض أو بغير عوض.

وهذا رأي الحنفية، والشافعية في قول، والحنابلة في رواية، والظاهرية (٣) غير أن الحنفية استثنوا بعض الحالات منها الوصية (٤) .

الرأي الثالث: جواز بيع سائر الديون ما عدا دين السلم لغير من عليه الدين، وهذا قول للشافعية صححه جماعة من أئمتهم منهم الشيرازي، والنووي واختاره السبكي، والقاضي زكريا الأنصارى (٥) ، قال النووي: " أما بيعه لغيره كمن له على إنسان مائة فاشترى من آخر عبدًا بتلك المائة فلا يصح على الأظهر. . وعلى الثاني: يصح.. قلت: الأظهر الصحة والله أعلم " (٦) .

الرأي الرابع: جواز بيع الدين لغير المدين إذا لم يكن فيه غرر، أو محظور شرعي آخر، جاء في شرح الخرشي: " والمعنى أن الدين ولو حالاً لا يجوز بيعه بدين، قال المؤلف: ولا بد من تقدم عمارة الذمتين، أو إحداهما، ويتصور في ثلاثة كمن له دين على شخص فيبيعه من ثالث بدين، وفي أربعة كمن له دين على إنسان، ولثالث دين على رابع فيبيع كل ما يملك من الدين بمال صاحبه من الدين. . . ولا يتصور بيع الدين بالدين في أقل من ثلاثة ".

ثم قال: " وفهم من قوله (بدين) عدم منع بيع الدين بمعين يتأخر قبضه، أو بمنافع معين. . . ولا يجوز للشخص بيع ما له على الغير من دين سواء كان حيًّا أو ميتًا ولو علم المشتري تركته، لأن المشتري لا يدري ما يحصل له بتقدير دين آخر إلا أن يكون من هو عليه حاضرًا بالبلد مقرًا، والدين مما يباع قبل قبضه لا طعامًا من بيع، وبيع من غير جنسه، وليس ذهبًا بفضة، ولا عكسه، وأن لا يكون بين المشتري والمدين عداوة، وأن لا يقصد المشتري إعنات المدين، وأما إن لم يقر فلا يجوز لأنه من شراء ما فيه خصومة" (٧) .

والذي يظهر لنا رجحانه هو أن بيع الدين لمن هو عليه ولغيره جائز مع ملاحظة قواعد الصرف، وكون الدين ثابتًا مقدورًا عليه يمكن تسليمه بالفعل، أو عن طريق المصارفة في الذمة، وأن لا يكون فيه محظور شرعي آخر من جهالة فاحشة، وغرر ونحو ذلك. والله أعلم.


(١) نقلنا النص عنهما مع اختصار؛ فتح العزيز: ٨ / ٤٣١ – ٤٣٩؛ والمجموع: ٩ / ٢٧٣ – ٢٧٥.
(٢) المنثور في القواعد للزركشي: ٢ / ١٦٠؛ والمبدع: ٤/ ١٩٩؛ ومجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥٠٦.
(٣) حاشية ابن عابدين: ٤/ ١٦٦؛ وبدائع الصنائع: ٧ / ٣١٠٤؛ والروضة: ٣/ ٥١٤؛ والأشباه والنظائر للسيوطي، ص ٣٣١؛ والمحلى لابن حزم: ٩ / ٦، ١١٧.
(٤) حاشية ابن عابدين: ٤ / ١١٦؛ ويراجع للمزيد د. نزيه حماد: أصول المداينات طبعة دار الفاروق، ص ١٥٨.
(٥) المهذب مع المجموع: ٩ / ٢٧٥؛ والروضة: ٣ / ٥١٤؛ والأشباه والنظائر للسيوطي، ص٣٣١.
(٦) الروضة: ٣ / ٥١٤.
(٧) شرح الخرشي على المختصر مع حاشية العدوي: ٥ / ٧٧ – ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>