للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدليل على جواز الاعتياض عن المسلم فيه ممن عليه السلم فهو ما يأتي:

١- الاستدلال بالحديث الثابت الذي يرويه ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: " كنت أبيع الإبل بالنقيع – بالنون سوق المدينة وبالباء مقبرتها – فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت يا رسول الله: رويدك، أسألك إني أبيع الإبل بالنقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء)) " (١) .

وقد اعتبر شيخ الإسلام هذا الحديث دليلاً على جواز الاعتياض عن المسلم فيه فقال: "والدليل على ذلك أن الثمن يجوز الاعتياض عنه قبل قبضه بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتاضوا عن الدين الذي هو الثمن بغيره مع أن الثمن مضمون على المشتري لم ينتقل إلى ضمان البائع، فكذلك المبيع الذي هو دين السلم يجوز بيعه وإن كان مضمونًا على البائع لم ينتقل إلى ضمان المشتري، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يجوز الاعتياض عنه إذا كان بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن" (٢) ، ثم ختم كلامه بقوله: " والصواب الذي عليه جمهور العلماء. . . أنه يجوز بيع الدين ممن هو عليه، لأن ما في الذمة مقبوض للمدين، لكن إن باعه بما لا يباع به نسيئة اشترط فيه الحلول والقبض لئلا يكون ربا، وكذلك إذا باعه بموصوف في الذمة، وإن باعه بغيرهما ففيه وجهان:

أحدهما: لا يشترط، كالاشتراط في غيرهما.

والثاني يشترط، لأن تأخير القبض نسيئة كبيع الدين بالدين، ومالك لم يجوز بيع دين السلم إذا كان طعامًا، لأنه بيع، وأحمد جوز بيعه وإن كان طعامًا أو مكيلاً، أو موزونًا من بائعه إذا باعه بغير مكيل، أو موزون، لأن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه هو في الطعام المعين، وأما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملك له، فلا يقاس هذا بهذا، فإن البيع المعروف هو أن يملك المشتري ما اشتراه، وهنا لم يملك شيئًا، بل سقط الدين من ذمته، وهذا لو وفَّاه ما في ذمته لم يقل: إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال أوفاه حقه، بخلاف ما لو باعه دراهم معينة بدراهم معينة فإنه بيع، فلما كان في الأعيان إذا باعها بجنسها لم يكن بيعًا، فكذلك إذا وفاها من غير جنسها لم يكن بيعًا بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة " (٣) .


(١) الحديث رواه أحمد في مسنده: ٢ / ٨٢، ١٥٤؛ وأبو داود في سننه – مع عون المعبود – كتاب البيع: ٩ / ٢٠٣؛ وابن ماجه في سننه لكنه بدون (سعر يومها) ؛ كتاب التجارات: ٢ / ٧٠؛ والدارمي: ٢ / ١٧٤؛ والنسائي، البيوع: ٧ / ٢٨١؛ قال النووي في المجموع: ٩ / ٢٧٣: "حديث ابن عمر صحيح رواه أبو داود والترمذي، والنسائي، وآخرون بأسانيد صحيحة عن سماك بن حرب عن سعيد عن ابن عمر "، ثم ذكر بأن الحديث إذا روي مرفوعًا، وموقوفًا، ومرسلا كان محكومًا بوصله ورفعه على المذهب الصحيح الذي قاله الفقهاء والاًصوليون ومحققو المحدثين من المتقدمين والمتأخرين ".
(٢) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥١٠.
(٣) مجموع الفتاوى، ٢٩ / ٥١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>