قالوا: وأما استدلالكم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن: فنحن نقول بموجبه، وأنه لا يربح فيه، كما قال ابن عباس:(خذ عرضًا بأنقص منه، ولا تربح مرتين) .
فنحن إنما نجوز له أن يعاوض عنه بسعر يومه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر في بيع النقود في الذمة:((لا بأس إذا أخذتها بسعر يومها)) فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما جوز الاعتياض عن الثمن بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن.
وقد نص أحمد على هذا الأصل في بدل العوض وغيره من الديون أنه إنما يعتاض عنه بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن.
وكذلك قال مالك: يجوز الاعتياض عنه بسعر يومه كما قال ابن عباس لكنَّ مالكًا يستثني الطعام خاصة، لأن من أصله أن بيع الطعام قبل قبضه لا يجوز بخلاف غيره.
وأما أحمد: فإنه فرق بين أن يعتاض عنه بعرض أو حيوان أو نحوه، دون أن يعتاض بمكيل أو موزون. فإن كان بعرض ونحوه جوزه بسعر يومه، كما قال ابن عباس ومالك، وإن اعتاض عن المكيل بمكيل، أو عن الموزون بموزون، فإنه منعه لئلا يشبه بيع المكيل بالمكيل من غير تقابض، إذ كأن لم توجد حقيقة التقابض من الطرفين. ولكن جوزه إذا أخذ بقدره مما هو دونه، كالشعير عن الحنطة، نظرًا منه إلى أن هذا استيفاء لا معاوضة، كما يستوفى الجيد عن الرديء. ففي العرض جوز المعاوضة، إذ لا يشترط هناك تقابض. وفي المكيل والموزون: منع المعاوضة، لأجل التقابض، وجوز أخذ قدر حقه أو دونه. لأنه استيفاء. وهذا من دقيق فقهه – رضي الله عنه -.
قالوا: وأما قولكم: إن هذا الدين مضمون له، فلو جوزنا بيعه لزم توالي الضمانين فهو دليل باطل من وجهين.
أحدهما: أنه لا توالي ضمانين هنا أصلاً، فإن الدين كان مضمونًا له في ذمة المسلم إليه، فإذا باعه إيَّاه لم يصر مضمونًا عليه بحال. لأنه مقبوض في ذمة المسلم إليه، فمن أي وجه يكون مضمونًا على البائع؟ بل لو باعه لغيره لكان مضمونًا له على المسلم إليه ومضمونًا عليه للمشتري وحينئذ فيتوالى ضمانان.