للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن حديث المواقيت محمول على الطرق المعروفة المألوفة في ذلك الوقت، وهي الطرق البرية التي يمكن أن يسلكها القادمون لحج أو عمرة من أطراف الجزيرة العربية التي مد عليها الإسلام رواقه. وهو في الوقت نفسه لم يحدد ميقاتًا من جهة الغرب، كما سبق أن أوضحته وبينت سببه. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد هذه المواقيت للإحرام قد خصها نصا وصراحة بمن يمر بها فعلا، وذلك حين قال عليه السلام: ((هن مواقيت لأهلهن)) . وهذا الإتيان لا يمكن أن يتصوره أي سامع إلا أنه المرور في الأرض. وإذ كان أهل الميقات المقيمون حوله قد وجب عليهم الإحرام منه، فمن أتى على هذا الميقات من خارجه وكان طريقًا له أصبح هو وأهل ذلك الميقات سواء، لأنه قد أصبح بينهم كواحد منهم، فلا يعقل أن يجب عليهم الإحرام منه ولا يجب عليه. وهذا المعنى لا يتحقق إلا فيمن مر بالميقات نفسه أرضا، لأن المرور فوق الميقات جوًا كما تمر الطيور لم يكن في بال أحد من الصحابة أهل اللسان الذين خوطبوا به ولا في حسبانه، ولا يمكن أن يتصوره حتى يفهم أنه داخل في هذا التحديد.

بل أستطيع القول: إن الطيران بالطائرات التي تسافر بها اليوم لو كان موجودًا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد هذه المواقيت الأرضية لأجل الإحرام لما كان المرور جوًا بالطائرة فوق بقعة الميقات مشمولاً بهذا الحديث، لأن المرور بالميقات الذي يجعل المار به كأهل الميقات لا يفهم منه في أسلوب البيان إلا المرور الأرضي فعلا، فهذا ما يفهمه أهل اللسان الذين خوطبوا به، وهذا أي ما يفهمه أهل اللسان في اللغة التي جاء بها النص، هو أساس، في فهم النص، عظيم الأهمية لا يمكن تجاهله وتجاوزه.

<<  <  ج: ص:  >  >>