للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا – الديون الأخرى غير المستقرة:

١٦- اختلف الفقهاء في حكم بيع ما لم يستقر عليه ملك الدائن من الديون – غير السلم – لعدم قبض المدين البدل المقابل لها، كالأجرة قبل استيفاء المنفعة أو مضي زمانها، وكالمهر قبل الدخول، والجعل قبل العمل ونحو ذلك على قولين:

أحدهما: للحنابلة في المذهب؛ وهو عدم جواز بيعها ممن هي عليه، لأن ملكه عليها غير تام (١) .

والثاني: للحنفية والشافعية في الأظهر وأحمد في رواية، وهو جواز بيعها ممن عليه الدين، كالديون التي استقر عليها ملك الدائن، إذ لا فرق بينهما (٢) . وقد صحح ابن تيمية وابن القيم هذا القول بشرط أن يكون الاعتياض عنها بسعر يومها أو أقل، كما هو الشأن في الديون الأخرى عندهم (٣) . وهو الراجح في نظري.

الصورة الرابعة – بيع الدين المؤجل للمدين بثمن حال:

١٧- والأحكام المتعلقة بهذه الصورة، وخلاف الفقهاء فيها وأدلتهم هي نفس ما بيناه في الصورة السابقة (بيع الدين الحال للمدين بثمن حال) ، وفيها غنية عن الإعادة والتكرار.

الصورة الخامسة – بيع الدين المؤجل لغير المدين بثمن مؤجل:

١٨- ذهب جماهير أهل العلم إلى عدم جواز بيع الدين المؤخر من غير المدين بثمن مؤخر، سواء اتفق الأجلان أو اختلفا، إذ يصدق عليه (بيع الكالئ بالكالئ) المنهي عنه بإجماع الفقهاء، ولأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه، وذلك غرر، فلا يحل شرعًا. قال ابن تيمية: " فإن ذلك منع منه لئلا تبقى ذمة كل منهما مشغولة بغير فائدة حصلت لا له ولا للآخر، والمقصود من العقود القبض، فهو عقد لم يحصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة " (٤) . وقال ابن القيم: " فإن المنهي عنه – أي من بيع الكالئ بالكالئ – قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه، فينتفع بتعجيله، وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بغير فائدة" (٥) .


(١) شرح منتهى الإرادات: ٢ / ٢٢٣؛ كشاف القناع: ٣ / ٢٩٤.
(٢) رد المحتار: ٤ / ١٦٦؛ نهاية المحتاج: ٤ / ٨٨؛ المجموع: ٩ / ٢٧٥؛ فتح العزيز: ٨ / ٤٣٤ وما بعدها.
(٣) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية، ص ١٣١؛ تهذيب سنن أبي داود لابن القيم: ٥ / ١١٣، ١١٧، ١٣٤، ١٥٤؛ مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٩ / ٥١٩.
(٤) مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٩ / ٤٧٢؛ نظرية العقد لابن تيمية، ص ٢٣٥.
(٥) إعلام الموقعين: ١ / ٣٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>