للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- أما سائر الديون الأخرى: فيجوز بيعها من غير المدين بشروط تباعد بينه وبين الربا والغرر، وتنفي عنه سائر المحظورات الأخرى، وهذه الشروط ثمانية (١) :

١- أن يعجل المشتري الثمن، لأنه إذا لم يعجل في الحين، فإنه يكون من بيع الدين بالدين.

٢- أن يكون الدين مما يجوز بيعه قبل قبضه، احترازًا مما لو كان طعامًا، إذ لا يجوز بيعه قبل قبضه.

٣- أن يباع بغير جنسه، أو بجنسه بشرط أن يكون مساويا له وأن يكون عرضًا غير نقد.

٤- أن لا يكون ذهبًا بفضة ولا عكسه، لاشتراط التقايض في صحة بيعها.

٥- أن يكون المدين حاضرًا في البلد، ليعلم حاله من فقر أو غنى، لأن عوض الدين يختلف باختلاف حال المدين، والمبيع لا يصح أن يكون مجهولاً.

٦- أن يكون المدين مقرًا بالدين، فإن كان منكرًا له فلا يجوز بيع دينه، ولو كان ثابتًا بالبينة، حسمًا للمنازعات.

٧- أن لا يكون بين المشتري والمدين عداوة.

أن لا يقصد المشتري إعنات المدين والإضرار به.

والرابع: للشافعية في قول – صححه كثير من أئمتهم كالشيرازي في المهذب والنووي في زوائد الروضة، واختاره السبكي وأفتى به شيخ الإسلام زكريا الأنصاري وغيره – وهو أنه يجوز بيع سائر الديون – عدا دين السلم – لغير من عليه الدين، كما يجوز بيعها من المدين ولا فرق إذا كان الدين حالاً، والمدين مقرًا مليئًا أو عليه بينة لا كلفة في إقامتها، وذلك لانتفاء الغرر الذي ينشأ من عدم قدرة الدائن على تسليم الدين إليه (٢) .

أما دين السلم فلا يجوز بيعه من المدين ولا من غيره، لأنه لا يؤمن من فسخ العقد بسبب انقطاع المسلم فيه وامتناع الاعتياض عنه، فكان كالمبيع قبل القبض، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ((من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)) . وهذا يقتضي عدم جواز بيع دين السلم لا من صاحبه ولا من غيره (٣) .

٢١- وبالنظر في هذه الأقوال الأربعة وأدلتها نجد أن حجج المانعين من بيع الدين في هذه الصورة تنحصر في وجود الغرر فيه، لعدم قدرة البائع على تسليمه، وفي اقترانه ببعض المحظورات الأخرى، كربا النسيئة، وبيع ما لم يقبض، وبيع الدين بالدين في بعض حالاته.

وحيث كان الأمر كذلك، فإنه يترجح لدينا أن بيع الدين الحال لغير من عليه بثمن حال إذا خلا من المحظورات الشرعية العارضة، فإنه يكون صحيحًا مشروعًا إذا انتفى غرر عدم القدرة على تسليمه.


(١) الخرشي: ٥ / ٧٧؛ منح الجليل: ٢ /٥٦٤ وما بعدها؛ الزرقاني على خليل: ٥ / ٨٣؛ البهجة شرح التحفة: ٢ / ٤٧ وما بعدها؛ التاودي على التحفة: ٢ / ٤٨؛ الموطأ: ٢/ ٦٧٥.
(٢) أسنى المطالب: ٢ / ٨٥؛ روضة الطالبين: ٣ / ٥١٤؛ فتح العزيز: ٨ / ٤٣٩؛ المهذب: ١ / ٢٧٠؛ نهاية المحتاج: ٤/ ٩٠؛ المجموع شرح المهذب: ٩ / ٢٧٥؛ الأشباه والنظائر للسيوطي، ص ٣٣١.
(٣) الأم: ٣ / ١٣٣؛ نهاية المحتاج: ٤ / ٨٧؛ أسنى المطالب: ٢ / ٨٤؛ فتح العزيز: ٨ / ٤٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>