للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثامنة – بيع الدين المؤجل لغير المدين بثمن حال:

٢٢- للفقهاء في هذه الصورة ثلاثة أقوال:

أحدها: لجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة على الصحيح المُفْتَى به في مذاهبهم؛ وهو عدم جواز بيع الدين المؤجل بثمن حال لغير من عليه الدين مطلقًا، ولذلك لانتفاء شرط صحة البيع، وهو القدرة على تسليم المحل، حيث إن البائع ههنا يبيع ما ليس تحت يده، ولا له من السلطة شرعًا ما يمكنه من قبضه، فكان بيعًا لمال لا يقدر على تسليمه، إذ ربما جحده المدين أو منعه، وذلك غرر، فلا يجوز (١) .

والثاني: للمالكية؛ وهو التفريق بين دين السلم وبين غيره من الديون الأخرى، حيث قالوا:

أ- فإن كان دين سلم، فيجوز بيعه من غير المدين بعوض من غير جنسه – إذا لم يكن طعامًا – كي لا يدخله بيع الطعام قبل قبضه، وهو محظور شرعًا. وقد اشترط تعجيل البدل في الحال كي لا يؤول إلى بيع الدين بالدين (٢) . ولا فرق بين أن يقع البيع بثمن المثل أو أقل أو أكثر.

ب- وأما سائر الديون الأخرى، فيجوز بيعها من غير المدين بثمن معجل من غير جنسها – إذا لم تكن طعامًا – بشرط أن لا تكون ذهبًا بفضة ولا عكسه، لاشتراط التقابض في صحة بيعها. كما يجوز بيعها بجنسها بشرط أن يكون مساويًّا له وأن تكون عرضًا غير نقد، فأما النقود فلا يجوز بيعها بجنسها مطلقًا، لإفضائه إلى الربا أو ذرائعه.

كذلك يشترط لصحة بيع الدين من غير المدين بثمن حال: أن يكون المدين حاضرًا في البلد، وأن يكون مقرًّا بالدين، وأن لا يكون بين المشتري والمدين عداوة، وأن لا يقصد المشتري إعنات المدين والإضرار به (٣) .

والثالث: رواية عن الإمام أحمد اختارها وصححها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم؛ وهو جواز بيع الدين المؤجل بثمن حال لغير من عليه الدين، سواء أكان دين سلم أو غيره، إذا لم يفض إلى الربا (٤) . وهو وجه عند الشافعية أيضًا (٥) .

قال ابن تيمية: " ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم وغيره، ولا فرق بين دين السلم وغيره، وهو رواية عن أحمد " (٦) . وجاء في مجموع فتاوى ابن تيمية: " فمذهب مالك أنه يجوز بيع المسلم فيه من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه. وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد. نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته، وإن كان ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه. وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد، وذلك لأنَّ دين السلم مبيع " (٧) .


(١) المبسوط: ١٤ / ٢٢؛ رد المحتار: ٤ / ١٦٦؛ تبيين الحقائق: ٤ / ٨٣؛ أسنى المطالب: ٢/٨٥؛ الأشباه والنظائر للسيوطي، ص ٣٣١؛ شرح منتهى الإرادات: ٢ / ٢٢٢؛ كشاف القناع: ٣ / ٢٩٤؛ المبدع: ٢ / ٨٥؛ نهاية المحتاج: ٤ / ٨٩؛ المجموع شرح المذهب: ٩ / ٢٧٥.
(٢) بداية المجتهد: ٢ / ٢٣١؛ القوانين الفقهية لابن جزي، ص ٢٧٥.
(٣) الخرشي وحاشية العدوي عليه: ٥ / ٧٧؛ الزرقانى على خليل: ٥ / ٨٣؛ منح الجليل: ٢ / ٥٦٤ وما بعدها؛ البهجة شرح التحفة: ٢ / ٤٧ وما بعدها؛ التاودي على التحفة: ٢ / ٤٨.
(٤) إعلام الموقعين: ٤ / ٣.
(٥) المنثور في القواعد للزركشي: ٢ / ١٦١.
(٦) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تميمة، ص ١٣١.
(٧) مجموع فتاوى ابن تميمة: ٢٩ / ٥٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>