للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرأي الثالث: يجوز بيع دين غير السلم لغير من عليه الدين، كما يجوز بيعها للمدين بشروط تنفي الغرر الناشئ عن عدم قدرة الدائن على تسليم الدين إلى المشتري بشروط، وهو رأي للشافعية في قول صححه كثير من أئمتهم كالشيرازي في المهذب والنووي في زوائد الروضة وغيرهما.

والشروط هي:

١- أن يكون المدين حالاً.

٢- أن يكون المدين مقرًّا بالدين.

٣- أن يكون المدين مليًّا أو عليه بينة لا كلفة في إقامتها.

٤- التقابض في المجلس في بيع الدين للمدين إذا كان العوضان من الربويات.

و– وإن كان تمليك الدائن دينه المستقر لغير المدين بيعًا بين غير الربويات بثمن مؤجل، كأن يكون لشخص على آخر مائة صاع من قمح مثلاً، فيبيعها على ثالث بمائتي ريال مؤجلة إلى شهر، فقد اختلف الفقهاء فيها على قولين (١) :

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى فساد هذا البيع وعدم صحته، لأنه من بيع الدين بالدين (الكالئ بالكالئ) ، وفيه شغل لذمتي البائع والمشتري دون أن يجني أحدهما من وراء هذا التعاقد فائدة.

القول الثاني: يجوز هذا البيع، وهو رأي بعض العلماء المعاصرين قياسًا على الحوالة، وفيه تحقيق مصلحة للطرفين وليس هناك ضرر يلحق بالمدين.

وقد رجح القول الأول.

الصورة السابعة: تمليك الدائن دينه غير المستقر لغير المدين بغير عوض.

قد تبدو هذه الصورة شبيهة بتمليك الدائن دينه غير المستقر للمدين بغير عوض (الصورة الثالثة) فتعطي حكمها وهو الجواز، غير أن ذلك الحكم بني على أساس أن ذلك التمليك إسقاط للدين عن المدين، والصورة التي معنا ليس فيها إسقاط للدين حتى يأخذ حكمه.

ذلك أننا نرى في هذا التمليك عطية من جانب الدائن لطرف ثالث يتبعه انتقال الحق في الدين من الدائن للطرف الثالث ويترتب عليه حق مطالبة الطرف الثالث المدين بالدين. وهذا الفرق يستدعي معرفة رأي الفقهاء في هبة الدين غير المستقر.

إن من شروط الموهوب أن يكون مملوكًا للواهب (٢) ، وحيث إن الملك غير مستقر للدائن فلا يصح له أن يهبه لغير المدين.

وقد صرح ابن قدامة في المغني بأن هبة الدين لغير من هو في ذمته لا تصح، لأنه غير قادر على تسليمه، وقياسًا على عدم صحة بيعه عندهم (الحنابلة) . قال: ويحتمل أن تصح، لأنه لا غرر فيها على المتهب ولا الواهب فصح كهبة الأعيان (٣) .

الصورة الثامنة: تمليك الدائن دينه غير المستقر لغير المدين بعوض.

سنفرق في الحديث عن الدين غير المستقر بين دين السلم وغيره على نحو ما مضى من قبل.


(١) الترك، ص ٣٠٢ – ٣٠٥.
(٢) الزحيلي: ٥ / ١٤.
(٣) ابن قدامة: ٦ / ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>