تحتاج الحكومة إلى التمويل كسائر المؤسسات الأخرى إلا أن نشاط الحكومة يختلف عن تلك المؤسسات من حيث:
أ- إن نشاطها لا يولد الربح إذ جل نشاط الحكومة، وبخاصة في الدول التي تسير على منهاج الاقتصاد الحر، هو تقديم الخدمات الأساسية كالأمن والدفاع والرعاية الصحية والتعليم وما شابه ذلك. ومن ثم هذه النشاطات غير قابلة لصيغ التمويل المعتمدة على الربح؛ كالمشاركة والمضاربة وإصدار الأسهم. .. إلخ. ولا سبيل لتمويلها إلا بالاقتطاع الضريبي من الدخول أو بواسطة الاقتراض.
ب – إن جزءًا مهمًّا من نفقات الحكومة يوجه نحو مشاريع ممتدة عبر الأجيال، فالمطار الدولي والطرق السريعة للسيارات وخطوط السكة الحديد وإنشاء الجامعات ... إلخ؛ كل ذلك مشاريع تحتاج إلى رأسمال ضخم عند الإنشاء ولكن منافعها تمتد عبر الأجيال لعشرات السنين. ولذلك فإن من العدل أن لا تحمل برمتها (من خلال الضرائب) على جيل واحد من سكان البلد، إن متطلبات العدالة في التوزيع عبر الأجيال تقتضي نثر هذه التكاليف على كل أولئك الذين سينتفعون بهذه البنية الأساسية للاقتصاد اليوم وغدًا، ولذلك صارت الحكومة تقترض اليوم لتسدد من إيرادات الضرائب التي سوف تفرض على الناس في المستقبل فتجعلهم بذلك يتحملون جزءًا من هذه التكاليف.
جـ – إن المواءمة بين إيرادات الحكومة (وهي تأتي في الغالب من الرسوم والضرائب المرتبطة بدورات الإنتاج والظروف البيئية والمناخية وأحوال الاقتصاد العالمي. ..إلخ) . ونفقات الحكومة (والتي ترتبط بدورة مختلفة لأن جلها يكون على صفة صرف الرواتب الشهرية والمخصصات المختلفة وما قد يقع من نفقات طارئة. ..إلخ) . تضطر الحكومة في بعض الأحيان إلى الاقتراض للمواءمة بين النفقات والإيرادات التي لا تتطابق من الناحية الزمنية. مع أن جملة نفقات الحكومة مساوٍ لإيرادتها في نهاية العام. لقد ترتب على هذه الظروف نزوع الحكومات إلى الاقتراض، ولذلك نجدها في يوم الناس هذا مثقلة بالديون في كل بلاد العالم.