للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ -٥ الباعث على بيع الدين في المعاملات المعاصرة.

هناك أسباب متعددة كان لها دور في انتشار عمليات بيع الدين ونمو أسواقه نلخصها فيما يلي:

١-٥-١ التخصص وتقسيم العمل:

قام النشاط الاقتصادي في يوم الناس هذا على فصل وظيفة التمويل عن وظيفة التجارة. إن النشاط المالي الذي يقوم على التخصص في التمويل له خصائص متميزة ويحتاج إلى مهارات مختلفة عن النشاط التجاري الذي يتخصص في شراء الأصول والسلع ثم تسويقها لتحقيق الربح. وجلي أن مسألة التخصص وتقسيم العمل لا تقتصر على ما ذكر، بل إن التجار يختلف بعضهم عن الآخر بحسب تخصصه؛ فتاجر السيارات ومعدات النقل عنده خبرات ومهارات لا تتوافر على تاجر المواد الغذائية أو الأثاث المنزلي وكل تاجر بارع في تخصصه وعارف بأسرار مهنته وخفايا السوق التي يشتغل فيها.

ويرى المؤرخون الاقتصاديون أن التخصص وتقسيم العمل هو أساس الحضارة المعاصرة إذ مكن من زيادة الكفاءة الإنتاجية بسبب إتقان العمل وتزايد القدرة على الإبداع فيه. ولذلك فإن الاتجاه هو المزيد والمزيد من التخصص وتقسيم العمل هو سمة من سمات الحياة المعاصرة. فإذا تخصص تاجر في الملابس فقط، جاء آخر فتخصص في الملابس النسائية فحسب، ثم يأتي آخر فيتخصص في الملابس النسائية القطنية، ثم ثالث في الملابس النسائية القطنية الداخلية ... وهلم جرًّا. وفي كلِّ مرة يظهر مستوى جديد للتخصص يرغم صاحبه من سبقه على التخصص الدقيق.

بعد هذه المقدمة نقول إن الائتمان، والديون، والتحصيل وما شابه هي نشاطات متخصصة تعد من عمل المؤسسات المالية وبخاصة البنوك، ولذلك يجد التجار أن الانخراط فيها إضافة إلى عملهم في التجارة يضيع عليهم فرصة التخصص فيها، ومن ثم زيادة كفاءة العمل وتعظيم الأرباح والبيع بالآجل هو قوام التجارة في زماننا هذا. ولا يلزم أن تكون الآجال طويلة، ولكن الواقع أن لا أحد يبيع بالنقد، بل يؤجل الدفع أيامًا أو أسابيع أو أشهرًا أو نحو ذلك.

ثم إذا حل الأجل احتاج الأمر إلى تحصيل، وقبل ذلك فإن البيع إلى جهة يحتاج إلى دراسة حالتها المالية والتأكد من جودتها الائتمانية، وكل ذلك من صميم عمل البنوك. ولذلك قام عمل الناس في الدول الغربية على قيام المؤسسات التجارية بإنشاء الديون ثم بيعها قبل الأجل إلى المؤسسات المالية التي تخصص في المداينات.١

- القوانين المصرفية:

تلزم القوانين المصرفية البنك بضرورة ربط حجم الديون التي تحملها دفاترها لرأس مال البنك، بحيث لا تزيد الديون عن أضعاف محددة لرأس المال ليس هذا فحسب، بل إن القوانين اليوم في أكثر الدول تحدد نسبًا لأنواع الديون المختلفة بحسب المخاطرة المتضمنة فيها، وتجعل البنوك ملتزمة بنسب مرتبطة برأس المال لكل صنف من الديون (١) . لكن إدارة البنك لا تستطيع على الدوام المحافظة على المزيج المطلوب وبخاصة أن التصنيف الائتماني للمدينين قد يتغير بعد ثبوت الدين في ذممهم (٢) . تضطر البنوك في مثل هذه الحالات إلى بيع بعض الديون التي لا تتوافق مع المتطلبات القانونية. ولا يلزم أن تبيع الديون الرديئة فقط فقد تجد نفسها أحيانًا تحمل في دفاترها من الديون الممتازة أكثر مما تحتاج، فتبيع بعض ذلك لأن العائد المالي الذي يتحقق من الديون الممتازة أقل مقارنة بتلك التي تقل عنها جودة.


(١) وأفضل أنواع الديون عندهم: ديون الحكومة، لأن الحكومات لا تفلس، ثم الديون الموثقة برهون تزيد من قيمته، وهي على مدينين في الصف الممتاز ثم الأقل. .. وهكذا.
(٢) كما حصل عندما تغير التصنيف الائتماني لجميع المدينين في جنوب شرقي آسيا، وكلهم مدين لبنوك من أنحاء كثيرة من العالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>