ينتشر في بعض البلدان عمليات مالية مستجدة تتضمن ما يسمى بيع التدفقات النقدية. فمثلاً تحصل إدارة المرور في مدينة نيويورك في كل عام ملايين الدولارات على صفة مخالفات مرورية وتمثل هذه الإيرادات تدفقًا نقديًّا على خزينة تلك الإدارة، ولكنها ربما احتاجت إلى الأموال اليوم، ولكنها بدلاً عن أن تقترض من البنوك أو الجمهور؛ فإنها تقوم ببيع تلك الإيرادات التي ستحصل عليها في سنوات قادمة. فهي تتوقع مثلاً أن تحصل رسوم مخالفات مرورية تبلغ (٤٠) مليون دولار خلال السنة التالية، فتقوم اليوم ببيع ذلك إلى جهة مالية بمبلغ يقل عن (٤٠) مليون دولار تدفع لها اليوم، ثم توجه حصيلة المخالفات خلال السنة المتفق عليها لمصلحة تلك الجهة المالية. وكذلك تفعل بعض دور السينما في الولايات المتحدة، فهي بدلاً من أن تقترض لتمويل إنتاج الأفلام تقوم ببيع تذاكر مشاهدة الأفلام للسنوات القادمة إلى جهة مالية، ثم تقوم الأخيرة بتحصيل المبلغ من خلال الإيرادات المحصلة من بيع تلك التذاكر في المستقبل. ولهذا البيع صيغ بعضها يكون البائع ضامنًا للمبلغ، فإذا قل الإيراد عن المبلغ المتفق عليه كان الفرق دينًا على البائع، وفي بعضها لا يكون ضامنًا وعندها تتضمن عنصر مقامرة إذ لا يدري هل سيكون الإيراد كثيرًا أو قليلاً. إن المبالغ التي يجري بيعها في هذه المعاملة ليست ديونًا في ذمم الآخرين، وإنما هي إيرادات متوقعة. ولكننا أدرجناها ضمن صيغ بيع الدين للأسباب التالية:
أ- لأنها من القبالات التي تعد من الربا.
ب – لأنها محسوبة على أساس سعر الفائدة المرتبط بالزمن ولذلك فهي حسم من نوع ما، ليس للأوراق التجارية ولكن الإيرادات.
١-٦-٤ الأضرار الاقتصادية المترتبة على انتشار بيع الدين بصيغته الممنوعة:
الوضع الاقتصادي السليم الذي يحقق النمو والرفاهية في الاقتصاد الوطني هو الوضع الذي يصفه الاقتصاديون بأنه يتسم بالاستقرار. ويقصد بالاستقرار سلامة النظام الاقتصادي من الصدمات التي تؤدي إلى تشويش القرارات الاقتصادية إلى الحد الذي يعرقل عملية النمو الاقتصادي ويؤثر على مستوى رفاهية الإفراد. والوضع الذي تنشر فيه عمليات بيع الدين، وبخاصة إذا أنشئت لذلك أسواق تتداول فيها وثائق الدين، هو وضع غير مستقر على مستوى الاقتصاد الوطني. إذ أن شعور الدائنين بالقلق تجاه المستقبل يدفعهم لبيع وثائق الدين للحصول على النقد خوفًا من عجز المدين على الدفع لكن ذلك يولد شعورًا عامًا بعدم الثقة ومن ثم تزايد عمليات البيع. فإذا تدهورت أسعار وثائق الدين ترتب على ذلك نتائج سلبية فيما يتعلق بقدرة المؤسسات على اجتذاب الأموال وعلى استقرار العملة المحلية للقطر.
والأمثلة المعاصرة كثيرة؛ فإن ما وقع في المكسيك في سنة ١٩٩١م وترتب عليه انهيار اقتصادها إنما سببه ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، إذ حدا ذلك بدائني المكسيك إلى بيع ديونهم لنقل أموالهم للبلد الذي ارتفعت فيه أسعار الفائدة. وكذلك الحال في جنوب شرقي آسيا فإن جزءًا مهمًّا من أسباب المصاعب الاقتصادية فيها كان تراكم الديون.