للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسعر المدفوع هو بالضرورة أقل من تلك القيمة الاسمية (مع أنه لا يستبعد نظريًّا في ظروف نادرة جدًّا أن يباع بنفس القيمة الاسمية) . والفرق بين القيمة الاسمية وما يدفعه المستثمر فعلاً في المزاد هو الفائدة على القرض. ومدته تكون دائمًا قصيرة لا تزيد عن ستة أشهر. وهو قابل للتداول في السوق الثانوية ويباع بسعر يتحدد اعتمادًا على قوى العرض والطلب التي تتأثر بظروف الاقتصاد والفرص الاستثمارية المتاحة.

ولقد سميت بذات الكوبون الصفري؛ لأن السندات تتضمن غالبًا كوبونات يسجل عليها تواريخ استحقاق الفائدة، ولكل كوبون قيمة تمثل تلك الفائدة، فكأن هذا السند كوبونه يساوي صفرًا.

٢ – ٢ البدائل الشرعية ل سندات القرض:

٢-٢-١ في القطاع العام:

لم يتطرق الفقهاء القدامى لهذا الموضوع بصورة مباشرة. فقد كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وطبيعة نشاط الحكومة مختلفة كل الاختلاف عنها اليوم. والملاحظ أن أمهات كتب الفقه التي تعود إلى القرون الأربعة الأولى لدولة الإسلام، كانت تشير إلى ولي الأمر والأمير، وليس إلى (الحكومة) . ولا ريب أن كثيرًا من الأحكام التي استقرت في الفقه حول ولي الأمر، تصلح أن يقاس عليها أمور الدولة في عصرنا الحاضر. ولكن يبقى أن الاختلاف بين ولي الأمر كما تصوره الفقهاء، وبين الحكومة كما نعلمها اليوم، شاسع وكبير بالقدر الذي يستدعي نظرًا فقهيًّا معاصرًا في كثير من الأمور المستجدة. ولذلك لا يسعفنا في الوصول إلى استنتاج في موضوع سد العجز الحكومي، نصوص ذات دلالة على ما نحن بصدده، لأن فكرة العجز مرتبطة بفكرة الميزانية السنوية وهي – على الأرجح – تنظيم جديد للمالية العامة.

ومع ذلك، فإننا نجد أن بعض الفقهاء قد تطرق إلى ما له علاقة بموضوع الاقتراض الحكومي، فتكلموا عن أربعة مصادر محتملة لسد حاجة بيت المال هي: الاقتراض وتعجيل الزكاة والتوظيف المالي والتبرعات. وانصب أكثر تناولهم للموضوع على ترتيب هذه المصادر، وبيان الأحكام المتعلقة بها، والظروف التي تبيح لولي الأمر اللجوء إلى أي منها.

والعجز الحكومي الذي تصوره الفقهاء ليس عجز الميزانية، ولكنه عجز بيت المال عن النهوض بما يلزم من نفقات، وخصوصًا تلك المتعلقة بحماية الثغور وحفظ البيضة ورد العدو الغاشم. والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقترض للحاجات العامة كما اقترض للخاصة. ومنها ما روى ابن ماجه بسنده عن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف منه حين غزا حنينًا ثلاثين أو أربعين ألفًا، فلما قدم قضاها إياه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد)) (١) .

ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا فنفدت الإبل، قال فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ من قلائص الصدقة، فكنت آخذ البعير بالبعيرين (٢) ، وجلي أن كلا القرضين كان لحاجة عامة ودينًا على بيت المال.

وجاء جل تناول الفقهاء لهذا الموضوع، في معرض المفاضلة بين التوظيف (الضريبة) وبين الاقتراض، فمال أكثرهم إلى ترجيح الاقتراض لعظم اهتمامهم بحرمة المال الخاص، واشترط في ذلك شروط أهمها: أن يرجى لبيت المال دخل في المستقبل. يقول الشاطبي: " الاستقراض في الأزمات إنما يكون حيث يرجى لبيت المال دخل ينتظر أو يرتجى، أما إذا لم ينتظر شيء وضعفت وجوه الدخل، بحيث لا يغني كبير شيء فلا بد من جريان حكم التوظيف" (٣) .


(١) رواه ابن ماجه والنسائي.
(٢) رواه الحاكم في مستدركه كتاب البيوع؛ وأخرجه الدارقطني بمعناه.
(٣) الشاطبي، الاعتصام: ٢ / ٢٢، ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>