للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشار الغزالي إلى اقتراض بيت المال، فاشترط فيه أيضًا أن يرجى لبيت المال دخل في المستقبل، فقال: لو كان له (أي الإمام) مال غائب أو جهة معلومة، يجري مجرى الكائن الموثوق فالاستقراض أولى" (١) وذكر في شفاء الغليل: "ولسنا ننكر جواز الاستقراض ووجوب الاقتصار عليه إذا دعت المصلحة إليه"، ولكنه اشترط أن يغلب على الظن مجيء مال يزيد عن الحاجة مستقبلاً.

ومن الملاحظ أن الشاطبي والغزالي وغيرهم، قد شبهوا بيت المال بالغني المحتاج وافترضوا أن التوظيف هو نوع من التبرع لهذا الغني، فإذا كان له مال يرجى وكان محتاجًا في وقت من الأوقات، فلا يلزم الآخرين التبرع له بل يلزمهم إقراضه فقط، ولذلك نجد الماوردي قد قال بمعاملة بيت المال كالمعسر فينظر، إذا لم يوجد فيه الكفاية، إلى ميسرة (٢)

أما الجويني، وهو سابق لهؤلاء جميعًا، فقد عالج الموضوع من زاوية سد الذرائع إلى التوظيف، وتقليل سلطة ولي الأمر في ذلك فافتراض أن موارد بيت المال تقتصر على الزكاة والخراج والجزية، ولذلك فكل ما أخذ الإمام مما يزيد عليها فهو دين، يجب عليه سداده بعد يسار بيت المال. (٣)

وقد اشترط بعضهم لجواز الاقتراض عدالة الإمام، فقد نقل الشاطبي أن شرط جواز الاستقراض عند الغزالي وابن العربي هو عدالة الإمام، وإيقاع التصرف في أخذ المال وإعطائه على الوجه المشروع.

وربما يفهم من تصرف العز بن عبد السلام مع سلطان مصر، أنه يشترط للاستقراض الإقلاع عن النفقات الترفيهية أولا. فقد داهم التتار بلاد الإسلام فأراد السلطان في مصر أن يقترض من التجار لقلة المال في بيت المال، فاستشار عز الدين؛ فقال: " اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر، إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام، وضربته سكة ونقدا، وفرقته في الجيش ولم يقم بكفايتهم ذلك الوقت اطلب القرض، أما قبل ذلك فلا، فأحضر السلطان والعسكر كلهم ما عندهم من ذلك بين يدي الشيخ.. " (٤) .

وشبيه بذلك ما ذكره الشوكاني حيث قال: " وعلى الإمام أن لا يدع صفراء ولا بيضاء ويعين بفاضل ماله الخالص، ولكن الواجب أن يأخذ ذلك جهة الاقتراض ويقضيه من بيت المسلمين عند حصول ما يمكن القضاء منه. ... " (٥) .

وأما الماوردي فقد ربطه بالخوف من الفساد فقال: " لو اجتمع على بيت المال حقان وضاق واحد منهما، جاز لولي الأمر إذا خاف الفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه (٦)


(١) السبكى، الإبهاج على شرح المنهاج: ٣ / ١٩٥.
(٢) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص ٢٠٦.
(٣) الجويني، غياث الأمم في التباث الظلم، ص ٣٩١.
(٤) نقله صلاح سلطان عن طبقات المفسرين للداودي: ١ /؛ وطبقات الشافعية للسبكي: ٨ / ٢١٥.
(٥) السيل الجرار للشوكاني: ٤ / ٥٢٠.
(٦) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>