للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ - سندات القرض الحسن:

ليس من المعتاد أن تصدر سندات الاقتراض الحكومي على شكل قروش حسنة، فلا تتضمن إلا التعهد برد القيمة الاسمية للسند ذلك أنها، في هذه الحالة ستخلو من الحافز المادي الذي يدفع الناس إلى شرائها. وقد اعتقد المودودي – رحمه الله – في كتابه (الربا) ، أن تطبيق النظام الإسلامي كفيل بأن يخلف الحافز لدى الأفراد لإقراض الحكومة قروضًا لا فائدة عليها لثقتهم بها واطمئنانهم إلى المستقبل، ورغبتهم في تحقيق التكافل الاجتماعي (١) وهو أمر – في نظرنا – محتمل.

ومن حيث المبدأ فإن إصدار هذا لنوع من السندات إذا خلت من الفائدة أمر مباح في الشريعة، لأنها لا تتعدى أن تكون تنظيمًا جديدًا للقرض. والمشكلة التي تبرز هنا هي تداول هذا النوع من الوثائق. ذلك أن السند المذكور لا يمثل إلا النقود المؤجلة. ولذلك تجري عليه أحكام الصرف لا البيع، ثم إن السند وثيقة دين لا حصة في استثمار، ومن ثم لا يجوز أن يتحدد له في الأسواق الثانوية سعر يختلف عن قيمته الاسمية.

وقد ظن البعض أن ظهور هذا النوع من السندات لا يستدعي بالضرورة ظهور سوق ثانوية إذ يمكن أن يحتفظ حامل كل سند بسنده حتى الأجل المحدد له، لكن ذلك غير صحيح، بل الأرجح ظهور تلك السوق الثانوية لأن السند ليس له قوة إبراء قانونية، ومن ثم ليس بديلاً للنقود، ولذلك قد يضحي حامله ببعض قيمته في مقابل الزمن، أي التعجيل بقبض مقابلة من النقد لحاجته العاجلة.

وإنما الإشكال بيعه بالنقد بأقل من قيمته الاسمية قبل أجله، كما تحسم الكمبيالات. أما بيعه بنفس قيمته الاسمية فلا بأس به. فقد أجاز المالكية بيع الدين بالنقد لغير المدين بشروط تباعد عن الغرر، كما يرى ابن القيم جواز بيع الدين للمدين ولغيره ولا يمنع إلا صورة واحدة هي ابتداء الدين بالدين (انظر فقرة ١ – ٧ – ١ أعلاه) ، وهذه الصورة ليس فيها حسم من أجل الزمن.

وقد ذكر الضرير في كتابه (الغرر وأثره في العقود) المسألة ثم أضاف: " لو أن حكومة من الحكومات الإسلامية أو مؤسسة من المؤسسات الخيرية طلبت من الجمهور قرضًا بغير فائدة وأصدرت سندات بذلك فهل يصح لحاملي تلك السندات بيعها؟ الجواب: نعم يصح؛ لأن هذا بيع الدين، وقد رجحنا قول من يجوزه، لكن ينبغي أن لا يباع السند بثمن يقل عن قيمته إذا بيع بنقود، أما إذا بيع السند بغير النقود كأن بيع بحيوان مثلاً فالبيع صحيح " (٢) .

ورب قائل ما الباعث على شراء مثل ذلك النوع من السندات، التي لا تحقق لحاملها ميزة تزيد على احتفاظه بالنقود ذاتها؟

الواقع أن الحكومات تصدر في كثير من الدول أنواعًا من السندات، التي يشتريها المواطنون لنوازع الوطنية والمسؤولية الاجتماعية، راضين بما تحققه من فائدة تقل عن المستوى السائد لمثيلاتها المتاحة لهم شراءه من الأسواق، وتصدر بشروط غير تنافسية مثل السندات الوطنية التي تصدرها حكومة الولايات المتحدة. فليس مستبعدًا إذن أن يقبل الناس في مجتمع مسلم على الاكتتاب في تلك السندات رغم أنها لا تحقق لهام عائدًا ماديًّا.


(١) المودودي، الربا، ص ١٣٤.
(٢) انظر في تفصيل ذلك (الضرير) في كتابه الغرر وأثره في العقود، ص ٣٠٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>