وقد ذكر المودودي – رحمه الله – أن تبني الحكومة لمثل ذلك الإجراء، شبيه بحقها في طلب الخدمة العسكرية الإجبارية من أهالي البلاد، ووضع اليد على بيوت الأهالي وسيارتهم عند الحاجة في الطوارئ، ولذلك فهي لا تتناقض مع مبدأ حرمة مال الفرد.
بهذه الطريقة يمكن للحكومة أن تحصل على الدوام على مصدر جاهز للاقتراض بدون فائدة. وهي تستطيع عندئذ أن تستخدمه في حالات التمويل الجسري. ولا ريب أن هذه فكرة وجيهة تحتاج إلى نظر ودراسة، للتأكد من آثارها على قدرة الجهاز المصرفي، على توليد قدر كاف من السيولة للاقتصاد، وخصوصًا في حالات احتياج الحكومة إلى التمويل. ومن الجلي أن الحكومة ستستطيع الحصول مرة واحدة على مبلغ كبير من المال، ثم بعد ذلك لن تحصل إلا على نسبة من النمو السنوي في حجم الودائع فقط. ويمكن تطوير هذه الفكرة بحيث تقوم الحكومة بإنشاء مؤسسة مستقلة للودائع الجارية، يودع الأفراد فيها نقودهم، وتعمل بنظرية الاحتياطي الجزئي، أما ما تولده من نقود الودائع فيستخدم كله لصالح الحكومة.
ج – سندات المقارضة:
وتتضمن هذه الفكرة تطويرًا لصيغة المضاربة المعروفة لتنتج صكوك قابلة للتداول. فيمكن لجهة حكومية أن تنشئ هيئة علي صفة المضاربة تصدر صكوكًا يكون من يشتريها (رب مال) وتلك الجهة (المضارب) ، ثم تستخدم الأموال في إنشاء مشروع عام كطريق أو ميناء بحري، وتحصل الهيئة من مستخدمي هذا الطريق علي رسوم تدفع لحملة الشهادات (وهم أرباب مال) ، والصكوك المذكورة قابلة للتداول لأنها تمثل ملكية تلك الأصول كما تستطيع الجهة شراء تلك الشهادات من جملتها ليصبح المشروع مملوكًا للحكومة. ولا تصلح الصيغة إلا بضمان الحكومة لطول مدة استرداد المستثمرين لأموالهم. ولذلك كانت ملائمة في الحالات التي تكون الحكومة فيها طرفًا ثالثًا مستقلاً عن الطرفين (١) .
٢ -٢-٢ في القطاع الخاص:
يختلف القطاع العام عن القطاع الخاص في أن جل نشاطات الأول لا تولد الإرباح التي يمكن اقتسامها مع الممولين؛ ولذلك فإن أكثر الصيغ التي طرحناها أعلاه ربما لا تكون مناسبة لحاجة القطاع الخاص. وقد طرحت أفكار كثيرة لإيجاد بدائل ل سندات القرض لأغراض القطاع الخاص.
ويدور جل هذه الصيغ المقترحة نحو تطوير عقود المضاربة المشاركة والإجارة لكي تولد صكوكا قابلة للتداول. فعند حاجة الشركة إلى المال، يمكن لها أن تستغني عن إصدار سندات القرض الربوية بإصدار صكوك الإجارة مثلًا. وفي هذه الحالة تبيع بعض الأصول المملوكة لها (مثل مبنى الإدارة، أو مصنع من مصانعها. ..إلخ) عن طريق إصدار وحدات استثمارية تمثل ملكية هذا الأصل. فإذا طرحت هذه الصكوك في السوق واشتراها الناس أصبحوا ملاكًا للأصل المشار إليه، وحصلت الشركة على النقود التي تحتاج إليها. وتتضمن هذه العملية استئجار الشركة للمبنى المذكور بعقد طويل الأجل يحصل حملة الصكوك فيه على عائد دوري (شهري أو سنوي) يمثل مبلغ الإيجار، ثم يباع الأصل في نهاية عقد الإجارة الذي ربما امتد لسنوات.
(١) انظر في تفصيل ذلك منذر قحف، (سندات القراض وضمان الفريق الثالث) ، مجلة جامعة الملك عبد العزيز الاقتصاد الإسلامي ١٤٠٩ هـ، ص ٤٣ – ٧٧.